30 December 2019 Khartoum, Sudan
بناء السودان الجديد
مع توقيع اتفاقية 17 أغسطس، دخل السودان حقبة جديدة. إن توقيع ميثاق دستوري يحكم الانتقال، وتشكيل مجلس سيادي وتعيين رئيس الوزراء حمدوك وحكومته المدنية، يضع في المقام الأول قادة مدنيين جدد لإدارة البلاد. وبذلك كان التغيير فوري.
رؤية حكومة رئيس الوزراء حمدوك للسودان رؤية واضحة تسعى لتحقيق الشعار الثوري المتمثل في “حرية، سلام و عدالة”. لقد عملت رؤيته على تعزيز حقوق الإنسان والحريات – من خلال إلغاء قانون النظام العام، والاتفاق على فتح مكتب للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والالتزام بحماية حرية وسائل الإعلام. لقد أعطت الأولوية لمحادثات السلام التي تحرز تقدما في جوبا. وقد بدأت العمل على العدالة، من خلال حل حزب المؤتمر الوطني وتشكيل تحقيق مستقل في احداث 3 يونيو.
كان استقبال الحريات الجديدة إيجابيا للغاية ومرحبا به. إنها من أكثر النتائج الملموسة لهذا التغيير. ويجب أن لا يكون هناك رجعة فيها. رحبت السفارة البريطانية بهذا التغيير وقد قمت باستضافة حفل ضم الكثير من أصدقائنا السودانيين للاحتفاء بالتغيير وبناء السودان الجديد.
ونحن أيضا نعمل بجد لدعم محادثات السلام. لقد زرت جوبا وأديس أبابا في الأسابيع القليلة الماضية للقاء جميع قادة الحركات المشاركة في المحادثات. قمت بحثِّهم على إدراك التغيير الذي يمر به السودان من خلال العمل مع الحكومة الجديدة للتوصل إلى اتفاق سلام شامل يعالج الأسباب الجذرية للصراعات. كما تحدثت معهم عن ضرورة عدم وضع عملية السلام والانتقال الوطني في موضع المنافسة مع بعضهم البعض. إن تعيين حكام ولايات مدنيين وتشكيل مجلس تشريعي انتقالي أمر حيوي لنجاح هذا الانتقال، ويجب أن لا يتأخر أكثر من ذلك.
يمكن القول إن قضايا العدالة هي الأكثر تعقيدًا. العدالة ليست ضرورية لشهداء وضحايا الثورة فحسب، بل هي ضرورية أيضًا لجميع الذين عانوا خلال ثلاثين عامًا من حكم النظام السابق. ستحتاج هذه الجهود إلى إيجاد توازن بين تلبية احتياجات الضحايا وتضميد الخلافات في السودان بطريقة تبني المصالحة والوئام الاجتماعي. سيكون تعيين لجنة العدالة الانتقالية قريبًا، وفقًا لما ينص عليه الميثاق الدستوري، خطوة أولى مهمة.
العدالة ليست مجرد قضية قانونية. العدالة الاجتماعية، وبذلك نعني التمكين الاقتصادي، و استئصال الفقر، وتوفير تكافؤ الفرص للجميع، يجب أن تكون من السمات الرئيسية لعملية الانتقال. لكن هذا واحد من أصعب التحديات، حيث إن اقتصاد السودان قد تعرض للإفلاس والتشويه من قِبل النظام السابق . الديون الضخمة والعائدات الحكومية المحدودة والعجز الكبير في الميزانية تعني أنه لا توجد خيارات سهلة هنا. سيتعين على الحكومة تنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية الرئيسية لزيادة الإيرادات وخفض النفقات، لا سيما في مجالات مثل دعم الوقود. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها ضمان موارد حكومية كافية للإنفاق على الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل الصحة والتعليم. ولكن للقيام بذلك، ستحتاج الحكومة الجديدة إلى المساعدة.
لهذا السبب عملت المملكة المتحدة مع شركاء رئيسيين آخرين لإنشاء وقيادة مجموعة “أصدقاء السودان”. تم إنشاء هذه المجموعة لدعم التغيير الذي يشهده السودان. كانت قد اجتمعت سابقًا في واشنطن وبرلين وبروكسل، لكنها اجتمعت لأول مرة في الخرطوم في 11 ديسمبر. تولى رئيس الوزراء حمدوك ووزير المالية البدوي رئاسة وفد الحكومة السودانية ووضعوا إطار عمل لخطتهم الاقتصادية، والتي دعمها الشركاء الدوليون على نطاق واسع. كل هذا بهدف استضافة مؤتمر دولي كبير للمانحين في أبريل 2020 ، والذي يمكن تقديم المساعدة المالية فيه لدعم استقرار الاقتصاد في السودان والبدء في تطبيق العدالة الاجتماعية اللازمة لإنجاح الثورة.
هذا الانتقال لا يزال جديدا. لقد تحقق الكثير بالفعل. لكن المطلب الشعبي شديد للإسراع في تحقيق المنافع والتغييرات من الحكومة المدنية. طموحات هذا الانتقال هائلة، لذلك من الطبيعي أن تكون التوقعات كبيرة أيضًا. إن تحقيق هذا المطلب والتوقعات المتزايدة للشعب المحرّر حديثًا ستكون تحديًا. ستواصل المملكة المتحدة العمل مع شركائنا لبذل قصارى جهدنا لدعم نجاح هذا الانتقال.