13 March 2015 Beirut, Lebanon
احتمال ما لا يحتمل: سوريا للسنة الرابعة…
كتبت في الذكرى الأولى لاندلاع النزاع في سوريا عن الأثر الصاعق الذي خلًفه هذا النزاع حينها، واليوم – تبدو تلك الأرقام صغيرة جداً. في الذكرى الثانية كتبت عن سخاء جيران سوريا وقسم من المجتمع الدولي وعن خيبات الأوساط الدبلوماسية وعن ضرورة الحفاظ على مستوى معيّن من الاندفاع. كتبت في الذكرى الثالثة عن الآفاق المفتوحة أمام المليون نازح في لبنان.
والأغنية نفسها تستمرّ، يا ليتني ما عرفت اليوم ما لم أعرفه الأمس.
في الذكرى الرابعة لهذه الحرب، تختلط المشاعر والأحاسيس؛ أكثر من 210 آلاف قتيل و11 مليون نازح و85 ألف معتقل أو ضحية تعذيب. الأسد يهزل بشأن الطناجر، بينما تنهمر البراميل المتفجرة، التي ينكر سقوطها، على رؤوس شعبه الذي يدّعي أنّه قائده. أما وحشه الفرانكشتايني – عبّاد الموت – داعش الذي لا هو مسلم ولا هو دولة، فيغالي بنفسه في ذروة الهمجية والوحشية بواسطة الفيديوهات المصوّرة. مواطنون أوروبيون خائبون تجذبهم همجرة قوة سكين أو قضية. جيران يتخبطون في محاولة تَحمُّل ملايين النازحين.
نحن اليوم أمام العديد من الاحتمالات: “ماذا لو؟”. كما يعي حلفاء الأسد أنفسهم، ماذا لو قرر خوض محادثات سلمية في العام 2011 معتمداً الحوار بدل الرصاص؟ لما آلت الأمور إلى ما هي عليه.
ماذا لو قام المجتمع الدولي بضربات في آب 2013؟ من يدري؟ ماذا لو أنفقت القوى الأقليمية مالاً ووقتاً بهدف وضع حد للنزاع بدل تسليحه؟ ربما الأمر الوحيد المؤكد هو أنه لو سارت الأحداث بمسار مختلف لكانت اختلفت نظريات المؤامرة حول مسؤولية الغرب في تحمّل التبعات.
من المبكِر جداً التوصل إلى استنتاجات محدّدة، ومن كان يعمل منا على هذه الأزمة هو الأقرب لذلك. أدركنا متأخرين أننا أسأنا تقدير المساعي الوحشية التي قد يلجأ إليها النظام السوري وحلفاؤه الإقليميون من أجل البقاء في السلطة. وأفرطنا في التعويل على تماسك حلفائنا والقادة السوريين المعتدلين وتأثير الغرب وقدرة تحمله وصبره.
كما تعلَمنا أمراً جديداً عن ديمقراطية السياسة الخارجية. ففي عصرنا الرقمي سيسهل على المواطنين التأثير على عمل حكوماتهم الديبلوماسي. وهذا طبعاً أمر جيد إذ أنه يجعلنا أكثر تمثيلاً وأكثر تمسُّكاً بالنهج السلمي. لكنه في الوقت نفسه يحدُّ من قدرة الحكومات الديمقراطية على إظهار القوة وعلى فوز النزالات التي يجب فوزها والتمسّك بالخطوط الحمراء متى وجب ذلك ضمن اللعبة الديبلوماسية. على المدى القصير، هذا يدفع بالذين يؤمنون بالحرية إلى المزيد من الحذر ويعزّز ثقة الذين لا يؤمنون بها.
أخشى أنّنا اكتشفنا خلال السنوات الأربعة الأخيرة أنه في أغلب الأحيان يمكننا تحمُّل ما لا يحتمل، كما اكتشفنا أيضاً مدى رحمة واهتمام المجتمع الدولي. كثيرون استجابوا بسخاء عارم لكن صورة لواحدة من غرائب عالم الحيوانات يمكن تناقلها على وسائل التواصل الاجتماعي هذا الشهر أكثر من صور سوريا كلها. من المبكر جداً أن “يرقد بسلام مبدأ مسؤولية الحماية “. ولكن هذا المبدأ قد شوِّه ودُفن تحت أنقاض سوريا. أعلنا التوبة بعد مجازر رواندا لكن لا يسعنا قول ذلك اليوم.
أقول للعاملين في حل النزاع يجب ألّا نستسلم أو تبرد همتنا أو نرضخ للأمر الواقع. لا يمكننا فقط أن نكتفي بإطلاق التصريحات الفارغة الرنانة. علينا أن نضاعف جهودنا في الدبلوماسية الشجاعة والجسورة. علينا ممارسة السلطة بصدق. علينا الإستمرار بمساعدة ضحايا النزاع.
لن أكون هنا لأكتب “في الذكرى الخامسة”. لكن إذا استمر النزاع على ما هو عليه سيكتب آخرون. ونحن، من خارج إطار هذه المجازر، سنقرأ ونتنهّد ونُحبَط ونكمل حياتنا، في حين لن تنفكّ هذه الحرب الوسخة، غير المجدية، السامّة، المدمّرة للأرواح وقاتلة الأطفال تترك في قلوبنا ندباً عميقة لا تحتمل.
تتطلب الحقبة المقبلة من لبنان مزيداً من الحكمة والحذر والحياد لإبقاء حرب سوريا خارجاً. وقد تعرض هذا البلد لمخاطر جدية ولجراح عميقة، لكننا ندعم إرادة الشعب اللبناني على التحمّل.
سبق أن نشر موقع العربية هذا المقال في 13 آذار 2015.
للمزيد من مدوّنات السفير البريطاني طوم فلتشر عن دعم المملكة المتحدة للبنان واللاجئين:
G8 Summit: Lebanon does not face Syria refugee crisis alone; Is the pen mightier than the sword?; Why this UNGA matters for Lebanon (and all of us); A United Nation at the UN.
وعن الدعم البريطاني للجيش اللبناني:
Managing Contagion: The battle to keep Lebanon out of the war in Syria; The support to match their courage; Sovereignty, borders and keeping Lebanon out of the war; Keeping the ‘Islamic State’ out of Lebanon, and Lebanon out of the’ Islamic State’.