30 January 2017 Tripoli, Libya
الجغرافيا تحكم العالم
المـوقـع ، أحد أهم الشعارات لدى وكلاء العقارات. عند شرائك لبيت أو لشقة ما، سيلعب موقع العقار دوراً آساسياً في هذا القرار. هل الموقع قريب من المحلات ، وسائل المواصلات أو المدارس؟ هل المنطقة هادئة؟ و من هم الجيران؟
لدى الموقع نفس الأهميةُ في السياسة الدولية. فالجغرافيا هي ما يحدد هوية الأمة. مثلاً ، وجود تضاريس جبلية سوف يجعل الغزو مهمةً صعبة. وفـرة الموارد المائية والطبيعية كالأنهار الصالحة للملاحة والموانئ البحرية ، تساعد على رواج التجارة. و إذا كان المناخ لطيفاً مع توفر الأراضي الخصبة ، فسوف تزدهر الزراعة.
الحي السكني الذي يوجد به العقار هو أيضاً أمرٌ مهم. فمشاركة الحدود تعني مشاركة التاريخ أيضاَ. يمكن للدول أن تجمعها صداقات و شُركات ، و يمكن أن تكون أعداء.
أوروبا مثال جيد: تتشكل حدود دول أوروبا أساسا حول الحدود الطبيعية: كسلاسل الجبال والأنهار. القبائل التي غزت من الشرق منذ مئات السنين استقرت حيث يمكن أن تنمو المحاصيل و حيث يمكن مزاولة التجارة والدفاع عن النفس.
الثورة الصناعية لها كذلك جذور جغرافية. أجزاء عديدة من المملكة المتحدة تملك الفحم والكثير من الماء لتوليد الطاقة. القرب من الموانئ سهّل الوصول إلى الحديد المستورد والقطن. هذه الموانئ سمحت أيضا للشركات المُصنعة أن تتحرر من السوق المحلي و تتجه نحو التصدير إلى الخارج.
كذلك ، لقد كان التوسع الاستعماري صنيعة الدول المطلة على البحر: فاسبانيا ، البرتغال ، بريطانيا ، فرنسا و هولندا كانت كلها تملك موانئ بحرية والاشجار لبناء السفن ، حيث احتاجت هذه البلدان الى التوسع التجاري ، لذلك بحثت وأنشأت دولاً جديدة.
ماذا تعني الجغرافيا لبلدٍ مثل ليبيا؟ كما هو الحال مع العديد من دول أفريقيا ، فإنّ حدود ليبيا تم ترسيمها بناء على الطموح الاستعماري. فقد كانت الجغرافيا هي التي تملي طريقة عيش الناس. المدن الرئيسية تقع على الساحل و لديها موانئ بحرية. أما الزراعة فتقتصرعلى تلك المناطق التي تتمتع ببعض الموارد المائية. بينما ظلت مساحات شاسعة في الصحراء مناطق غير مأهولةٍ بالسكان.
مناطق ليبيا التاريخية الثلاث بينها اختلافات من الناحية الجغرافية. فإقليم طرابلس تعامل تجارياً مع الشمال و لذلك كانت له صلة أقرب مع أوروبا. برقة تعاملت تجارياً مع الشرق ، أما روابط فزان القبلية والتجارية فقد كانت مع الجنوب. و لا تزال هذه الفروق التقليدية جزءاً من التركيبة السياسية الحديثة في ليبيا.
العامل الجغرافي الآخر هو النفط. فمكان تواجد الاحتياطي الكبير من الموارد الهيدروكربونية هو صدفة يفرضها الموقع الجغرافي. و هو ما يعود بفائدة كبيرة على البلاد و يقدم فرصة للإثراء في المستقبل ، بشرط إدارتها بشكل رشيد لما فيه خير البلد.
هل ليبيا سجينة جغرافيتها؟ كما هو الحال في معظم البلدان الأخرى ، العوامل الجغرافية تخلق واقعاً لا يمكن للقادة تجاهله. الاختلافات بين المناطق هي جزء من الضغوط والتوترات التي تواجههم.
لكن بإمكان ليبيا التغلب على هذه الاختلافات. فكما هو الحال في بلدانٍ أخرى حيث تمثل الجغرافيا عامل تقسيم ، يمكن للناس أن يتحدوا لبناءِ مستقبلٍ أفضل. من المهم أن تكون الأوراق كلها بآيدي الليبيين و أن يستثمروها بالشكل الصحيح.
لقد كانت الجغرافيا جيدة مع ليبيا ، ليس فقط من ناحية النفط والغاز، ولكن المواقع التاريخية ، السواحل الجميلة، الجبال و الروابط مع جيرانها الودودين. يمكن لليبيين استغلال هذه العوامل للمستقبل من خلال التركيز على ما يجمع الناس ، لتطوير هذه الموارد الطبيعية لصالح كل الليبيين.
يمكن كذلك التغلب على الجغرافيا عن طريق تعزيز هوية ليبية مشتركة. فالليبيون لديهم نفس اللغة و الدين ، والأهم ، قـيم مشتركة. هناك أيضا أعداء مشتركين: آفة الإرهاب ، خطر الانهيار الاقتصادي ، خطر الانقسام السياسي وتجدد الحرب الأهلية.
محاولة فهم بلدٍ ما هو عملية معقدة. يجب علينا أن نفهم التاريخ والثقافة والاقتصاد. الجغرافيا هي عامل حيوي: فهي تحدد مصير البلاد ؛ تشكّل تاريخها ؛ تحدد اقتصادها ، و ترسم سياساتها.
لكن الدول غير مضطرة أن تبقى حبيسةً لتاريخها. فقد يكون الموقع الجغرافي أمراً لا مفر منه ، و لكن الوحدة الوطنية يمكن بنائها من أجلِ المستقبل المشترك.