Avatar photo

Michael Aron

British Ambassador to Khartoum

2 February 2016 Khartoum

حوار حول الهوية القومية

أتابع باهتمام ما يُكتب عن المحادثات الدائرة داخل لجنة الحوار الوطني السوداني المعنية بالهوية القومية. كثير ما يتم ذكر موضوع الهوية القومية خلال محادثاتي مع السودانيين الذين أقابلهم، كما كانت هناك بعض المناقشات المثيرة للاهتمام على صفحات التواصل الاجتماعي تويتر و الفيسبوك في الآونة الأخيرة. من وجهة نظري ان قضية الهوية القومية هي واحدة من أهم القضايا التي تواجه السودان اليوم

تُعد الهوية القومية قضية هامة جدا بالنسبة لنا أيضا في المملكة المتحدة ، كما يتبين من الاستفتاء على استقلال اسكتلندا و الاستفتاء المُقبل على عضويتنا في الاتحاد الأوروبي و حول القضايا التي تُحيط بالهجرة المتزايدة في الآونة الأخيرة من أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا

ما هي الهوية القومية ؟ ويكيبيديا تصفها بأنها شعور الشخص بالانتماء إلى دولة أو أمة . قاموس أكسفورد يعرفها بأنها إحساس أمة واحدة متماسك، مُمثلا في التقاليد المميزة والثقافة و اللغة

أحياناً في السودان (وفي اسكتلندا ) القبيلة ( أو العشيرة ) التي تنتمي إليها تمثل عنصرا هاما في الهوية القومية . هناك بعض الناس في المملكة المتحدة يسألون انفسهم “هل أنا انجليزي / اسكتلندي / ويلزي /من شمالي ايرلندا أو بريطاني أو اوروبي ؟”، كما يتساءل البعض في السودان “هل أنا عربي أو افريقي ؟” . بالنسبة للبعض في كلا البلدين يُعد الدين جزء مهم من هويتهم القومية. اللغة أيضاً عنصر آخر في تحديد الهوية: معظم الناس في السودان يتحدثون اللغة العربية و معظم الناس في المملكة المتحدة يتحدثون اللغة الإنجليزية، ولكن هناك أقليات في البلدين لا يتحدثون لغة الأغلبية – وبلا شك هناك العديد من البلدان غيرهما لديها العديد من اللغات المختلفة

قد يبدوا من الرؤية الأولى انه كلما كانت الهوية القومية أكثر تماسكا لكان ذلك أفضل للبلد المعني، ولكن التاريخ لا يؤيد ذلك ، تبنت النازية في ألمانيا ما بين الحربين هوية قومية واضحة جدا استغلها هتلر لأغراضه الخاصة و أدت في نهاية المطاف إلى الحرب العالمية الثانية و كارثة وطنية . حالياً تحاول بعض الأحزاب القومية في عدد من الدول الأوروبية استغلال شعور الناخبين بالهوية القومية ضد الوافدين . من ناحية أخرى هناك العديد من الدول الناجحة ( الولايات المتحدة على سبيل المثال) التي استفادت من هوية قومية مؤسسة على التنوع العرقي و الثقافي و هذا يشير إلى أن الوضع الامثل هو أن تُركز الهوية القومية على ربط مواطني الدولة الواحدة معا وليس لخلق شعور بالتفوق تجاه الدول المجاورة

من وجهة نظري يمكن لشعبي السودان والمملكة المتحدة أن يستفيدوا من التنوع الرائع الذي تستمعه به البلدين . كل منا يملك تاريخا طويلا و معقدا ينطوي على غزوات وهجرات لشعوب قادمة و آخرى خارجة . وضع المملكة المتحدة كجزيرة جعل لديها علاقات وثيقة مع أستراليا وكندا و الهند ، ولكننا أيضا جزء لا يتجزأ من أوروبا . وبالمثل فقد نظر السودان شمالاً في اتجاه مصر في بعض الأحيان ،و في أوقات أخرى غرباً في اتجاه الساحل أو شرقاً لشبه الجزيرة العربية و إثيوبيا . انه جزء من العالم العربي وجزء لا يتجزأ من أفريقيا

شخصيا أنا فخور لكوني انجليزيا ( وخصوصا عندما يتعلق الأمر بكرة القدم ) وبريطانيا ( في دورة الالعاب الاولمبية ) و اوروبيا ( خلال بطولة كأس رايدر للجولف ) . التنافس الداخلي الصحي (مثل الذي بين الإنجليز و الاسكتلنديين ) يمكن أن يكون أمرا جيدا ، وإثراء للحياه الثقافية لدينا وجعل كرة القدم أكثر إثارة للاهتمام

أحيانا القبائل أوالأقليات داخل البلد لهم صلات معينة ببلد آخر – قد تكون دولة مجاورة ، أو بلد المنشأ أو لاسباب دينية . في السودان على سبيل المثال قبيلة البني عامر لها صلات وثيقة مع القبائل في إريتريا ، و الزغاوة في دارفور مع الزغاوة في تشاد و الأقباط مع إخوانهم في الدين في مصر . في المملكة المتحدة بعض البريطانيين من أصل آسيوي يدعمون فرق الكريكيت القومية في الهند وباكستان و سريلانكا وبنغلادش – في حين أن البعض الآخر يختار لعب الكريكيت ( بنجاح كبير ) لإنجلترا . يجب أن يكون لدينا الثقة لاحتضان هذه الاختلافات و الاستفادة من المزايا التي تجلبها من حيث تعزيز العلاقات مع البلدان المعنية . ما هو أكثر أهمية هو أن يشعر الجميع بالانتماء وأن تُكون الحكومة و المواطنين متسامحين تجاه الأقليات و أولئك الذين يختارون أن يكونوا مختلفين

بعض الدول والحكومات تنظر بوعي إلى خلق و تعزيز الهوية القومية – وهذا هو الغرض من قسم الولاءالذي يتلى يوميا من قبل العديد من أطفال المدارس في الولايات المتحدة. وبالنسبة لدول اخرى ( المملكة المتحدة و أيضا في الخليج ) فإن العائلة المالكة هي محور أساسي للهوية القومية . في كثير من الحالات قد يُشكل حدث تاريخي مثل الثورة أو الاستقلال عنصر هام في خلق الهوية القومية . العلم الوطني يمكن أيضا أن يكون شعار قوي – انظر الى نية نيوزيلندا في إنشاء علم جديد ليعكس هويتهم القومية، ونجاح رمز كندا -ورقة نَباتُ القَيْقَب. ولكن في النهاية ان الهوية القومية الناجحة تعتمد على ان يشعر مواطني البلد المعني بالفخر في بلدهم

تتشكل الهوية عبر تفاعلات مستمرة بين الدولة و المجتمع على مر الزمن. أتمنى للشعب السوداني التوفيق في جهوده الرامية إلى بناء و تعزيز هوية قومية مُستوحاة من تاريخ السودان المتنوع وإرثه الثقافي الغني تجعل جميع السودانيين يفخرون ببلدهم. أرحب بالمناقشات الجارية في مؤتمر الحوار الوطني حول هذا الموضوع وآمل أن تتمكن الفئات المختلفة في السودان من المشاركة في الحوار قبل نهايته لتكون النتيجة تقدم نحو هوية قومية تربط الشعب السوداني ككل لِتُمكنه من مواجهة تحديات القرن الواحد وعشرين

“We Are All Sudan”: providing a rare insight into the beauty of Sudan and celebrating Sudanese Diversity

3 التعليقات “حوار حول الهوية القومية

  1. سرد رائع بمقارنة التنوع العرقي والديني في كثير من دول العالم م وتأثيره على التماسك والسلم الاجتماعي

  2. عندما نقول الهوية السودانية فإننا نقر بوجود التنوع الإثني والعقدي والثقافي دون هيمنة إثنية او عقدية او ثقافية‘ لذلك نرفص العصبيات التي تفرق بين أبناء السودان الذي تشكل كما هو معروف من هذا الهجين الناجم بين المجوعات المقيمة منذ قديم الزمان على أرضه وبين المجمواعات المتداخلة معها تأريخياً وإجتماعياً وأصبحت جزءً من التركيبة المجتمعية السودانية‘ وهذا عنصر ثراء وقوة إذا أحسن إدارة التنوع بعيداً عن الإستغلال السياسي والحشد العاطفي السالب.

  3. التعصب العرقي و الديني سبب كل مآسي الإنسانية على مر العصور

Comments are closed.

حول Michael Aron

Mr Michael Aron has been Her Majesty’s Ambassador to the Republic of Sudan since August 2015. After studying Arabic at Leeds University and before joining the FCO in 1984 Mr…

Mr Michael Aron has been Her Majesty’s Ambassador to the Republic of Sudan since August 2015.

After studying Arabic at Leeds University and before joining the FCO in 1984 Mr Aron worked as an English teacher in El-Damer Secondary School in northern Sudan for two years. Since then his FCO career has been focussed on the Middle East and North Africa, including as Ambassador to Kuwait, Iraq and most recently Libya.

On his appointment as Her Majesty’s Ambassador to the Republic of Sudan, Mr Aron said:

“I am delighted to be returning to Sudan after 30 years. I have very fond memories of the charm, hospitality and generosity of the Sudanese people I met and worked with and I look forward to renewing friendships, developing new relationships and working with all parties to help Sudan overcome the challenges it faces.”