3 December 2014 Beirut, Lebanon
الاسكندر الكبير والمواعيد السريعة وسوار "جوبون"
اقتنيت مؤخرا جهاز جوبون “اب” (Jawbone ‘Up’) الذي يراقب النشاطات اليومية وانماط النوم والحركة ويساعد الشخص على مراقبة صحته بشكل افضل. وبما أنني أب لصبيين لست بحاجة لمن يقول لي انني لا أنام بما فيه الكفاية. ولكن كما كثيرين انا ألزَم تجميع بياناتي الى سوار بلاستيكي. يكفي ان ننظر الى طفل في الثالثة من عمره يلهو بجهاز لوحي (أيباد) لندرك تماما بان كل سلوكياتنا البشرية التلقائية اصبحت رهنا بعلاقتنا بالتكنولوجيا الرقمية.
لكن ان وضعنا جهاز “اب” على معصم لبنان فماذا يقول لنا؟ اعتقد انه سيقول ان لدينا بلدا معرضا للخضات الخارجية اكثر من اي وقت مضى – ايران والسعودية، داعش، فلسطين واسرائيل، سوريا – وانه يعاني من مشاكل صحية خطيرة – فساد، بنية تحتية متداعية، طائفية متزايدة واننا امام بلد يتأرجح يوما في القمة وآخر في الدرك؟ ولكن أكثر من كل شيء اننا امام بلد أكثر صموداً مما يدرك هو بذاته. مجتمعات كثيرة أضعف منه كانت قد انهارت لكن بمجرد ان لبنان صمد بهذا الشكل انما يدل ذلك على صلابة داخلية لا يتسهان بها.
انا لست ملما تماما بكيفية عمل جهاز “اب” ولكن لبنان كما جهاز “اب” يخبرنا أمورا عن انفسنا. ففي وقت تتخبط دول كثيرة في مواجهة مسائل مصيرية كالتعايش والارهاب وتقاسم السلطة قد يجد لبنان ان هناك من يرغب في ان يصغي اليه أكثر من أن يتحدث اليه. وكما بالنسبة الى جهاز “اب” المحصَلة ليست في البيانات التي تجمع بل بالاجوبة التي تحملها هذه البيانات والقدرة على التحكم بهذه الاجوبة. لبنان بحاجة لممارسة هذا الحق من اختيار رئيس للجمهورية الى تصحيح المسائل التي تعرقل ديناميكيته.
يذكرنا جهاز “اب” ايضا بان السلطة تتغير باقصى سرعة شهدها التاريخ. كنت في قرطاج الاسبوع الفائت وفكرت في ظهور الامبراطوريات وانهيارها وفي قصة الاسكندر الكبير. وكنت ايضا في حفل اطلاق المركز اللبناني-البريطاني للتبادل التكنولوجي وكانت السلطة الأقوى في القاعة ليس للمتحدثين الجالسين على المنصة الرسمية وانا من بينهم، وانما لأكثر من ألف صاحب مبادرة ومشروع سيتفوقون علينا جميعا وبسرعة خارقة. وشعرت بطاقة لا مثيل لها من خلال وجودي معهم في القاعة ذاتها ومشاركتهم الزمن نفسه. نحن لم نشهد بعد سوى البوادر الاولى للثورة السياسية والاجتماعية التي ستحدثها شبكة الانترنت. ان الابتكار الوحيد الذي يشبه هذا الابتكار ولو الى حد ما، يعود الى اختراع أول مطبعة وهو اختراع غير وجه العصر الحديث. سلطات وهرميات تنهار وشركات وافكار ودول تغدو عاطلة عن العمل. في الماضي كانت السلطة تشبه الحفلات البريطانية المنظمة والمرتبة حيث كل شيء في مكانه اما اليوم فالسلطة أشبه بمائدة لبنانية اي أكثر فوضوية وجموحا. كما قلت لاصحاب المشاريع الشباب “صحتين” هنيئا لكم.
ان الدول التي ستنجح في العصر الرقمي هي تلك التي تعرف تماما كيف تحشد وتشغَل كل شبكاتها وللبنانيين هنا ميزة اذ انهم افضل مشبَكين في العالم. يتحدث الناس عن زوال الحدود في هذه المنطقة. نحن نأمل ان يزيل المركز اللبناني-البريطاني للتبادل التكنولوجي الحدود بين افضل الرواد والمبدعين واصحاب الرؤى التقدمية نحن نأمل ان نبني جسورا بين الابتكارات. نأمل ان يكون بيل غيتس المستقبل بريطانيا او لبنانيا. ان المنصة التي تربط لبنان بقوة عظمى رقمية يمكن ان تتحول الى منصة اطلاق لخدمة لا غنى عنها قد لا نتخيلها اليوم لكن لا يمكننا العيش من دونها. هذه المنصة ستطلق العنان لما هو اكثر ثورية من مجرد الاعمال او الابتكارات انها ستطلق العنان لقوة الروح اللبنانية.
ان هذه المبادرة تأتي لتضاف الى نجاحات سابقة اذ ان التجارة اللبنانية-البريطانية ستتضاعف تقريبا في خلال فترة اربع سنوات. وبمناسبة اقتراب عيد القديس اندرو افتخر بالقول ان معدل مبيعاتنا للفرد الواحد في لبنان من سمك السلمون الاسكتلندي والويسكي الاسكتلندي هو اعلى معدل في العالم. ولربما ليس من باب الصدفة ان يكون معدل مبيعاتنا للفرد الواحد من البانادول هو الأعلى ايضا.
الشعب اللبناني يريد امنا ولذلك تساعد بريطانيا الجيش اللبناني على الحدود وعلى الحواجز. الشعب اللبناني يريد أملا ولذلك تحرص بريطانيا على تأمين التعليم في كل انحاء البلا. الشعب اللبناني يريد فرصة سانحة ولذلك بريطانيا الى جانبه في مركز التبادل التكنولوجي.