9 March 2012 Beirut, Lebanon
العاملون الإنسانيّون، والإعلاميون، والأبطال الشجعان
كان الأسبوع الماضي حافلاً بالمفاجآت.
مساء يوم الأحد، وصلت فاليري آموس، وهي رئيسة قسم الشؤون الانسانيّة في الأمم المتحدة، من دون سابق إنذار. وكنت قد عملت معها بشكل وثيق لعدّة أعوام عندما كانت وزيرةً لأفريقيا، فكان من الرائع أن نعود بالذكريات إلى الماضي, والأهم أنّنا تمكنّا من مناقشة السبل الفُضلى لاقناع الحكومة السوريّة بقبول زيارتها وزيارة الأسرة الدوليّة وزيادة الدعم الانساني إلى المدنيّين الذين يُعانون الأمرَّيْن في حمص وفي أماكنَ أخرى بشكل ملحوظ. وفي أواسط الأسبوع، كان من الواضح أن النظام السوري لم يكن جاهزًا بعد للسماح لها بالدخول – ممّا شكّل مصدر إحباط وخيبة أمل كبيرَيْن. وفي موازاة ذلك، ازداد القصف على حمص حدّة.
ما أن غادرت فاليري منزلنا في بيروت، وصلنا خبرًا عن الصحافي بول كونروي الذي يعمل لصالح “صانداي تايمز” والذي تعرّض لإصابة بالغة في حمص، أنّه تمكّن أخيرًا – وبعد جهود حثيثة – من الهرب عبر الحدود السوريّة. فذهبت إلى لقائه برفقة فريقي القنصلي وفريق حمايتي المقرّبة. كان في حالة يُرثى لها، وقد تعرّض لتجربة صادمة لا تُصدَّق. كانت إصابة ساقه بالغة، وقد أصيب بشظيّة في صدره، وأمضى أسبوعًا وهو يسمع أزيز القنابل التي تتساقط من حول المبنى الذي كان متواجدًا فيه. فقرّرنا نقله فورًا إلى منزلي حيث تمكنّا من تغذيته (بالفطائر والسجائر والويسكي)، وتوفير العلاج الطبي له، وتبادل المعلومات معه التي قد تُساعد زملاءه الفرنسيين والاسبانيين على الهرب، ومساعدته على التعافي. لا شك في أن بول رجل يتمتّع بقوّة ومقاومة لا مثيل لهما. فأصرّ على البقاء على قيد الحياة بالرغم من الصعاب لينقل إلى العالم ما شهده وسمعه في حمص. وكان وصوله إلى بيروت الآمنة نسبيًّا بفضل إصرار أشخاصٍ عديدين ورأفتهم، جازفوا كثيرًا على طول الطريق. لا يُمكننا أن نذكر أسماءهم كلّهم، إنّما ننوّه بشجاعتهم.
وفي اليوم الذي غادر فيه بول إلى لندن، استضفت حفل عشاء كان مخطّطًا له منذ زمن بعيد للمغامرين، والأبطال، والرائدين للاحتفال بالعيد المئة لرحلة الكابتن سكوت الملحميّة إلى القطب الجنوبي، التي قضى في خلالها الكابتن سكوت ورفاقه. بالنسبة إليّ، تزامنت أحداث هذا الأسبوع مع تلاوة ماكسيم شعيا، بطل لبنان العالمي الملهم (وخبير القطبَيْن والقمم السبع الأعلى)، علينا ما كتبه أخيرًا الكابتن سكوت في دفتر يوميّاته:
“لو كُتبت لنا الحياة لكان لديّ قصّة عن العزم، والمقاومة، والبسالة التي تمتّع بها رفاقي أتلوهاعليكم فتأسر قلوبكم… لا بد من أن تنقل هذه الكلمات الموجزة وأجسامنا الميتة الرواية الحقيقيّة.”
واليوم لأجل المدنيّين الكثر الذين قُتلوا في حمص. لكن شجاعة من ساعد بول على الهرب تعني أنّه قادر على أن يُقدّم إلى العالم شهادته المرعبة عمّا حدث. تمكّنت فاليري آموس من الوصول إلى سوريا – وكلّنا أمل – لتأمين المساعدة الإنسانيّة الحيويّة إلى من لا يزالون يتألّمون. فكان سكوت ليتعرّف إلى مثال “العزم، والمقاومة، والبسالة”. ونحن أيضًا.