29 April 2013
جولات في النيل الأبيض، سنار و الجزيرة
إحدى الأشياء المبهجة في عمل السفير وهي أيضاً جزء من مهامه أن يزور أكبر عدد ممكن من الأماكن في البلد الذي يعمل فيه و إلا كيف يمكنه أن يدرك حجم وتنوع وتركيبة ذلك البلد؟ لا يمكن حقاً فهم أي بلد وشعبه بمجرد الجلوس في العاصمة. لذا قضيت الأسبوع الماضي ثلاثة أيام في ولايات النيل الأبيض وسنار والجزيرة وكان تركيز الزيارة مُنصباً على الجوانب التجارية والاقتصادية. قمنا بزيارة مصنع سكر كنانة وشركة سكر النيل الأبيض ومشروع الجزيرة و مشروع زراعي آخر بالإضافة إلى جامعة الجزيرة و كليتي الآداب و الشريعة و القانون بجامعة الإمام المهدي ومقرهما في الجزيرة أبا فضلاً عن هيئة إذاعة و تلفزيون ولاية الجزيرة. كذلك فقد أمضيت بعض الوقت في بعض الشركات الزراعية كما التقيت بنواب الولاة الذين تحدثت معهم بصورة أساسية عن الفرص الاقتصادية في تلك الولايات. كذلك كانت حفاوة السودانيين المعهودة حاضرة أينما حللنا.
قمت أيضاً بزيارة معسكر يضم الجنوبيين الذين ينتظرون السفر إلى جنوب السودان في مدينة كوستي و وجدته بائساً بما لا يُقاس: أكواخ من الخشب وملابس ممزقة، لا وظائف أو مدارس و الخدمات الطبية تكاد تكون منعدمة و قليل من أمل. لقد ظلوا هناك في حالة من العجز القسري لمدة سنتين أو ثلاث بينما المشاريع الزراعية على مرمى حجر منهم تحتاج للعمالة بشدة. نأمل أن يسهم تنفيذ الإتفاقات بين السودان وجنوب السودا ن في وضع حد لمعاناتهم.
لقد خرجت بالعديد من الإنطباعات من هذه الزيارة و أولها كيف أن السودان بلد شاسع و ما انفك هذا الأمر يذهلني في كل مرة أسافر فيها داخل السودان. لقد قضيت الكثير من الوقت في السيارة! مشروع الجزيرة لوحده يمتد في مساحة 1.2 مليون فدان وهي أكبر من مساحة جميع الأراضي المزروعة في المملكة المتحدة.
الأمر الثاني هو الحضور التاريخي للمملكة المتحدة في مشاريع الري، السدود، والجامعات التي تم تأسيسها في فترات تاريخية سابقة حيث إلتقينا ممثلي شركة هندسية بريطانية تعمل في صيانة خزان سنار. بالطبع لقد سُئلت عما إذا كان بإمكان الشركات البريطانية التي أنشأت بالأساس مشروع الجزيرة أن تقوم بإعادة تأهيله. ربما ولكن الأمر يتوقف على تحديد الإحتياجات بشكل دقيق وكيفية التمويل بالإضافة إلى الدور الذي يمكن أن تقوم به الحكومة على المستوى الولائي و القومي.
كذلك هناك تصور لما يمكن أن يحققه السودان: الإستثمارات الجديدة في مصانع السكر والايثانول الرئيسية ، الآليات الزراعية الجديدة والحديثة في الحقول و جامعة رائدة (جامعة الجزيرة). بالطبع هناك الكثير من الإهتمام في سنار والنيل الأبيض خاصة فيما يتعلق بآفاق التجارة مع جنوب السودان. ولكن أيضاً هناك إحساس بأن الإستثمارات السابقة قد أُهدرت: تدهور مشروع الجزيرة و أكثر ما يرمز له خطوط السكة الحديد المفككة بقضبانها المفقودة و جسورها المنهارة.
لم نقابل إمرأة واحدة في أيّ من الإجتماعات التي حضرناها مع إستثناء مُشرّف لكلية الشريعة و القانون التابعة لجامعة الإمام المهدي بالجزيرة أبا. ولكن إلتقيت على حدة بعالمة سودانية ذات قدرات هائلة تقيم بالمملكة المتحدة و قد نالت براءة إختراع على تقنية جديدة من شأنها أن تساعد على تحسين إنتاجية لإنتاج قصب السكر.
هناك إجماع في الأوساط الزراعية أن إمكانيات السودان الزراعية الهائلة يمكن أن تحقق الأمن الغذائي وتساهم في الرفاه العام بأكثر مما حققه النفط كما أنها يمكن أن يكون لها مساهمة ضخمة في القضاء على الفقر وخلق فرص العمل. الجزيرة تبين لك ما تم إنجازه في الماضي ويمكنها أن تكون الأساس للمستقبل. لقد رأيت أحدث الأساليب المستخدمة في الزراعة في زياراتي السابقة داخل السودان و المطلوب هو تأسيس شراكة فعّالة بين الحكومة والقطاع الخاص: الحكومة لتوفير البنية التحتية ومناخ الاستثمار والتعليم و القطاع الخاص لقيادة الأعمال وتطوير الأسواق في الداخل والخارج والإستثمار في الابتكار. السودان لا يعوزه وجود شركاء في الخارج حريصين على لعب دور ما وفي كثير من الحالات فإنهم يقومون بذلك فعلاً.
بعض الشركات البريطانية منخرطة بالفعل أو ترغب في أن تصبح كذلك. لقد سمعت عن الروابط بين هيئات البحوث الزراعية في السودان والمملكة المتحدة و نحن نبحث في كيفية المساعدة على دعم تطوير أنظمة الإنتاج والتوزيع وإتاحة الفرصة لأصحاب الحيازات الصغيرة للعمل مع الشركات الزراعية الكبرى.