19 February 2014
المنسف الخاطئ
يفخر الأردنيون بطبقهم الوطني وهم محقين في ذلك ، فهذا الطبق اللذيذ المكون من الأرز ولحم الضأن و الجميد (نوع من أنواع اللبن) هو رمز للتقاليد الأردنية و يشكل جزء أساسي من المناسبات الكبرى. المنسف هو أيضا جزء لا يتجزأ من زيارات الدبلوماسيين لمناطق المملكة. وبالطبع علينا أن نتناوله باليد وليس بالملعقة و الشوكة.
لذلك كنت أتطلع إلى تناول المنسف عندما قمت بزيارة معان قبل أسابيع قليلة بدعوة من أحد النواب المحليين. فمعان هي مدينة مثيرة للاهتمام في جنوب الأردن و لديها أهمية تاريخية كبيرة حيث أن الأمير عبد الله الهاشمي اتخذها مقرا له عندما وصل في عام 1920.
يرتبط ذكر مدينة معان بعدد من القضايا و المشاكل المعينة و مثال على ذلك حادثة قتل 4 طلاب في أعمال عنف في الجامعة العام الماضي. أنا لم أقم بزيارة معان منذ فترة طويلة لذلك كانت هذه الدعوة فرصة جيدة للذهاب والاستماع إلى السكان المحليين.
وصلنا إلى مشارف مدينة معان في وقت الظهيرة حيث كانت سيارة الشرطة المحلية تنتظرنا و طلب منا اللحاق بهم. سرنا عبر الشوارع حتى وصلنا إلى مبنى بدا وكأنه مكان لإقامة حفلات الاستقبال الكبيرة. كان هناك العديد من السيارات خارج المكان والكثير من الشرطة في المنطقة المجاورة و من ثم دخلنا المبنى بشعور من الترقب.
كالعادة كان في استقبالنا صف طويل من الرجال الذين قاموا بمصافحتنا. أنا لم أعرف أي منهم و بدت عليهم معالم الحيرة عندما رأونا. دخلنا غرفة كان فيها أكثر من 200 رجل يرتدون اللباس التقليدي القبلي واقفين حول طاولات تئن من وزن العدد المهول من المناسف الموجود عليها. رحبوا بنا و اصطحبونا الى أقرب طاولة فارغة.
لكن هناك شيء لم يبدو طبيعيا، فعادة عندما أتلقى دعوة لزيارة مكان نجلس و نتحدث قبل الأكل و لكن هؤلاء الناس كانوا قد بدأوا بتناول الطعام و لم يكن هناك أثر للنائب الذي قام بدعوتنا كما بدا على الناس أنهم لا يعرفوننا و لا يعرفون سبب وجودنا. اتضح لنا لاحقا أننا ذهبنا للمكان الخطأ و المنسف كان المنسف الخاطئ!
كان هذا المنسف مقدم من قبل المزارعين المحليين لوزير قادم لزيارتهم من عمان و كان النائب الذي دعانا ينتظرنا في مكان آخر. فعندما أدركنا خطأنا رأينا أننا أمام معضلة جديدة: كيف يمكن أن نخرج و نحفظ ماء وجهنا؟
لحسن الحظ أدرك شخص من الموجودين أننا جئنا للمكان الخطأ و أجريت مكالمات هاتفية و تم مرافقتنا الى خارج الغرفة. كان هناك عدد من الوجوه التي بدت عليها معالم الدهشة ولكني أعتقد أن معظم الرجال كانوا يستمتعون بتناول المنسف و لم يلاحظوا شيئا.
عدنا إلى سياراتنا و تم إرشادنا الى المنزل الصحيح. هناك أجرينا حديث طويل و مثمر مع النائب و أصدقائه و رفاقه. فقد تحدثوا عن الوضع في معان وتصوراتهم عن القضايا المحلية والإقليمية.
بعد الحديث ذهبنا لتناول الطعام حيث قدموا لنا المندي و هو طبق يمني يشبه المنسف ولكن الأرز مضاف إليه بهارات حارة. هذا الطبق شائع تقديمه في الجنوب و يبدو أنك تستطيع أكله بالشوكة و الملعقة بدلا من اليد.
عند التمعن لاحقا بمجريات أحداث هذه الزيارة أدركت أن الذهاب إلى المنسف الخطأ أوضح أحد أهم نقاط القوة في المجتمع الأردني. عادات و تقاليد الترحيب بالضيوف و حتى الضيوف الغير معروفين يبقى قويا. حقيقة أننا تمكنا من التطفل على منسف أشخاص آخرين و الترحيب بنا بحرارة ودعوتنا على الطعام هو شهادة على حقيقة أن تقاليد الضيافة والكرم لا تزال متأصلة في الثقافة الأردنية. أتمنى أن تستمر هذه العادات طويلا!