في 19 مارس، رأيت اليمنيين يعبرون عن مواقفهم بثبات ومرح. فقد احيوا ما قدموه وبدا واضحاً ايمانهم بمستقبل أفضل. بدوا متوترين قليلاً الا انه كان جلياً استمتاعهم بوقتهم ايضاً. وكانت الفكرة السائدة كيف يمكن للأفكار ان تغير من حياة الافراد، وتعززت فكرة ان الابتكار والتفكير الإبداعي اقوى من سطوة السلاح لتحقيق التغير.
وفي نفس الوقت، في صنعاء، وفي فندق فخم تجمع 565 ممثلاً في مؤتمر الحوار الوطني الشامل في أول جلسة له. أعلنت بعض الشخصيات المعروفة جدا انسحابها مباشرة والبعض الآخر اشتكى بأن الحوار قد فقد مصداقيته قبل أن يبدأ. ومع ذلك، كان الجو في نهاية الجلسة الأولى إيجابياً بشكل عام.
ولم تكن الفعالية التي حضرتها هي مؤتمر الحوار الوطني أو ما يتعلق به بل كانت نهائيات مسابقة اتحاد متحدثي اللغة الإنجليزية للخطابة العامة. وسرني سماع 10 خطابات تم تقديمها من قبل طلاب متألقين من شمال البلاد وجنوبها. وبعد كل خطاب كان على كل منهم ان يتلقى أسئلة ليرد عليها. ولقد دار هذا كله باللغة الإنجليزية. هذا وقد كانت المهارت المقدمة من قبل الطلاب مدهشة، وبالرغم من أنه توجب على الحكام اختيار فائزاً واحداً لحضور النهائيات العالمية في لندن في نهاية هذا العام، الا ان المنافسة كانت حادة وقوية.
ولم يكن من باب الصدفة أن يكون معظم المتنافسين بمن فيهم الفائز من الاناث. ولا يتوجب عليك أن تكون متنبئاً لتدرك أن مستقبل اليمن يعتمد على مستقبل شبابها، وخصوصاً الاناث منهم. هذا وما زالت النساء محرومات من حقوقهن بشكل كبير. ولكن إن حققن صوتاً أقوى وسمح لهن بتشكيل سياسة واقتصاد البلد، فسيكون مستقبل اليمن أكثر ازدهاراً.
وبالتفكير في الحدثين المتزامنين – أحدهما محط اهتمام البلاد برمتها والاخر لم يروّج له في وسائل الاعلام ولم يعرف عنه الغالبية العظمى– فقد خطر لي أنه ربما يمكن أن يتعلم ممثلي الحوار الوطني من هؤلاء الطلاب من ابناء وبنات بلدهم. وبينما يخوضون في أشهر من المفاوضات لتحديد بنية الدستور مستقبلاً بالاضافة الى نواح أخرى، فمن الممكن ان يبلوا بلاءً حسناً إن استخدموا الحكمة اليمانية واخذوا دور المبادرة من هؤلاء المتحدثين في اتحاد متحدثي اللغة الإنجليزية.
ما الذي يمكن أن يتعلموه؟ ربما ثلاثة عناصر مهمة لأي حوار:
أولاً؛ أن احترام اراء الآخرين والاستعداد للاستماع لهم أمر جوهري لأي حوار. وإن فشل المتحاورون في محاولة فهم وجهات النظر الأخرى سينتج عنه حوار أصم لا قيمة له.
وثانيا؛ أن التعبير عن فكرة أو رأي ما يتطلب شجاعة. ولكن اظهار المرونة والتوافق للوصول إلى حل يحتاج إلى شجاعة أكبر. وقد أظهر ممثلي الحوار الوطني، وخصوصاً أولئك من الجنوب، شجاعة بالانخراط في الحوار. وسيحتاجون إلى أن يكونوا اكثر شجاعةً في إيجاد حلول توافقية للمشاكل التاريخية العالقة. وبدون تلك الشجاعة، لن يكون هناك تسوية وطنية ولن تتقدم اليمن إلى الأمام.
ثالثا؛ من المفيد الايمان بمستقبل أفضل والاستفادة القصوى من الفرص لتحقيق ذلك، فمعظم اليمنيين يريدون أن يروا مستقبلاً أكثر أمنا واستقراراً وازدهاراً . ولدى الممثلين البالغ عددهم 565 مسئولية كبيرة في التمسك بهذه الفرصة التي تأتي مره في كل جيل. وإذا اعتقدوا أنه من الممكن أن ينجحوا وذلك ممكن – كما فعلت شعوب أخرى في جنوب أفريقيا وتشيلي، على سبيل المثال – فانه يمكن للممثلين في الحوار أن يبنوا يمناً أفضل من خلال هذا الحوار الوطني. فهم يدينون بذلك لأطفال اليمن، وللطلاب الذين اشتركوا بمسابقة اتحاد متحدثي اللغة الإنجليزية وأيضاً لملايين اليمنيين الذين لا يشاركون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل. فجميع اليمنيين يعتمدون على هؤلاء الممثلين في الحوار وعلى حسن استماعهم وتقديم التنازلات والاجماع فيما بينهم والاتفاق للمضي قدماً.
وقد قيل سابقاً “أن القلم أقوى من السيف”. وفي اليمن اليوم، يمكن أن يكون الحوار أقوى من السلاح. ويتوقع الشعب اليمني وأنا والكثير من الداعمين في المجتمع الدولي من الممثلين في الحوار أن يرقوا لمستوى هذا التحدي التاريخي. وهذا هو الوقت الذي سيثبت اليمنيون فيه ما يستطيعون تحقيقه – فالعالم كله يشاهد….