7 May 2016 Beirut, Lebanon
الانتخابات المحلية: أهمية وطنية
في العام 1947، قال رجل الدولة الكبير ونستون تشرشل إنّ “الديمقراطية من اسوأ أشكال الحكم باستثناء تلك الاشكال الأخرى التي جرت تجربتها في بعض الأحيان”. وكان في ذلك الحين يتكلّم من منبر مجلس العموم، أي المجلس البرلماني المخصص للعموم من الرجال والنساء ينتخبوا ليمثّلوا الناس في بريطانيا.
وقبل اربعة أعوام فقط من ذلك التاريخ، كانت مجموعة من الوطنيين هنا في لبنان تعمل على صياغة الدستور الذي سيكرس لبنان “جمهورية برلمانية ديمقراطية”. وبعد حوالى سبعين عاما، لم يجد أحد بعد نوعًا من أنواع الحكم “اقلّ سوءًا”. لا بل أن شعوب الأرض برمّتها لا تزال تطالب بالمزيد من الديمقراطية لا العكس.
لذا، كيف يمكن أن نصف “صحة” الديمقراطية اللبنانية اليوم؟ انها تظهر بعض الأعراض المقلقة: فالبلاد تعاني من مأزق سياسي منذ سنتين تاركة المؤسسات مشلولة. الفراغ الرئاسي يشارف سنته الثانية وقد مدّد البرلمان لنفسه مرتين. الديمقراطيّة اللبنانية بشكل عام ليست في افضل احوالها. إلا أن بعض بشائر التحسن تلوح حالياً في الافق مع الانتخابات البلديّة.
سرّنا مشاهدة الكثير من الحماس في البلاد منذ أن أعلن وزير الداخليّة مواعيد الانتخابات لا سيما في اوساط العائلات والأفراد الذين يخططون لحملاتهم الانتخابية. العملية معقدة بعض الشيء وتدخل فيها الخصومات المحليّة (والوطنية) بلا شك. لكن من الجيّد أن نرى التنافس الحقيقي في العديد من البلديات وتتصدر الشؤون اليومية التي تعني حياة الناس قائمة الاولويات.
فقد شاهدنا كلنا- ولا نزال نشتمّ- آثار أزمة النفايات. وتجلَّى بوضوح أكبر من ذي قبل بأن للبلديات دور تضطلع به للتأكد من حسن سير الأمور. للبلدية دورفي فرز النفايات من المصدر والتعاطي مع القمامة وتدويرها والتخلص مما يتبقّى بطريقة آمنة ومستدامة. ويمكن للبلديات لا بل عليها أن تضطلع بدور مهمّ في شؤون عامة أخرى. في هذا السياق، تعمل المملكة المتحدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مثلًا على مشاريع عديدة بالتعاون الوثيق مع البلديات التي تأثرت بشكل كبير بتدفق اللاجئين للقيام بتحسينات تفيد اللبنانيين: طرقات أفضل، ومياه نظيفة، وفرص اقتصادية أفضل، والمزيد من ذلك. يمكن كل من البلديات الآن أن تتقدم بمقترحها بشأن الأولويات المحلية (بعد استشارة المجتمع المحلي) إلى الحكومة اللبنانية وهذه فرصة ممتازة للرؤساء والاعضاء الجدد الذين سيستلمون الدفّة في شهر ايارحتى يؤمنّوا ما هو أفضل لناخبيهم.
والأهم هو أن الانتخابات تعطي الناخب فرصة الحكم على عمل من ينتخب وان يحاسبه على مدى جودة الخدمة التي قدمها للناخب. كما ينصّ الدستور أيضَا على أنّ “الناس هم مصدر السلطة والسيادة” وهذه الانتخابات هي الفرصة لرفض المجالس التي هي دون المستوى المطلوب أو لإعادة انتخاب من لعب دورا فاعلاً. هي ايضا فرصة تسمح لجيل جديد من الرجال والنساء من بين الشباب، اي بين الـ21 و الـ27 من العمر بأن يقترعوا وأن يترشحوا للمرة الأولى. هي فرصة للتغيير وتملّك النقاش الانتخابي.
هي فرصة لزيادة مستوى مشاركة المرأة- لأن المرأة إذا ما تمكّنت من المشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية والعامة تعود بالفائدة على الجميع. فالدم الجديد يقدم الأفكار الجديدة وطرقا جديدة في تسيير الأمور. وإذا ما كان لبنان يحتاج إلى شيء ليتمكن من مواجهة التحديات القائمة امامه، فهو بحاجة إلى معالجات جديدة للمشاكل بدعم مالي من الأسرة الدولية طبعًا. وأنا فخور لأن المملكة المتحدة هي من البلدان التي أنجزت أكبر قدر في هذا المجال.
لكن، تحقيقًا لهذه المنفعة، على اللبنانيين من الأعمار والأجناس والطوائف كافة أن يتلقفوا الحقوق التي منحهم إياها الدستور. ولا بدّ للقادة اللبنانيين ان يستمروا في التعبير عن دعمهم لهذه العملية الديمقراطية الفائقة الاهمية. كما على الوزير المشنوق أن يتابع عمله الممتاز ليتأكد من أن هذه الانتخابات، على غرار التي سبقتها، ستحظى بالترحيب والتهنئة الدوليتين.
في القرن الخامس قبل الميلاد، قال برقليس “ان لا تهتم للسياسة بأمر لا يعني أن السياسة لن تهتم بك”. ولا يزال الأمر يصحّ حتى ايامنا هذه