في سورية، يستمر طغيان العنف المستشري والممنهج بعيدا عن الأنظار، في مراكز اعتقال بعيدة عن الخطوط الأمامية للحرب.
وفي وقت سابق هذا الشهر، أصدرت لجنة التحقيق الدولية بشأن سورية تقريرا حول الموت أثناء الاعتقال. وجاء ذلك بعد تقارير مروعة بنفس القدر صادرة عن منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش حول الاختفاءات القسرية والموت في معتقلات النظام. إن الاعتقال التعسفي تكتيك حرب لاإنساني وعقيم. وممارسات نظام الأسد تتنافى مع حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني. وإذ من المقرر استئناف مفاوضات السلام، فإن من المهم للغاية بذل الجهود لبناء الثقة.
إن الإفراج عن المعتقلين تعسفيا، بمن فيهم من نساء وأطفال، فرصة لإبداء الرغبة في تغيير الوضع الراهن، وإبداء استعداد حقيقي لحل الصراع سياسيا. وإلى جانب هذا، فلا بد من التوقف عن المعاملة الوحشية لكل المعتقلين في سورية، وتزويد العائلات بمعلومات حول وضع ومكان وجود المختفين.
لقد أوضحت المعارضة السورية، ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات في مفاوضات السلام في جنيف، أنها تود رؤية ثلاثة إجراءات لبناء الثقة: وقف القتال (هدنة)، ووصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين لدى النظام، سيما النساء والأطفال. ولطالما كرر المجتمع الدولي المطالبة بالإفراج عاجلا عن أي شخص معتقل تعسفيا في سورية. إن الإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير المختفين يشكلان خطوتيْن يجب على كل الأطراف، وخاصة النظام الذي يحتجز عشرات آلاف المعتقلين، اتخاذهما بوصفهما تدابير لبناء الثقة على طريق إحلال سلام بالتفاوض.
وفقا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، هناك ما يزيد عن 65,000 شخص تمّ تغييبهم بالقوة بين مارس (آذار) 2011 وأغسطس (آب) 2015. وبينما يظل مصير المختفين غير معروف، تشير تقارير إلى أن الكثير منهم يخضعون لسوء معاملة يصعب تخيلها. ويذكر تقرير لجنة التحقيق الدولية بشكل صريح أن النظام اقترف جرائم ضد الإنسانية، من إبادة وقتل وتعذيب واغتصاب أو أشكال أخرى من العنف الجنسي. والظروف اللاإنسانية التي يعيشها المعتقلون في سجون الأسد أبرزتها صور “قيصر” الفوتوغرافية التي تم تهريبها إلى خارج سورية في أغسطس (آب) 2013. وقد كان من بينها أكثر من 28,000 صورة لأشخاص لقوا حتفهم في سجون النظام. ويقال إن الصور تظهر حالات ما لا يقل عن 6,786 من الأفراد الذين واجهوا التعذيب أو الخنق أو التجويع – وماتوا في المعتقل. ولا تترك التقارير مجالا للشك في أن ما يقوم به النظام من اعتقالات بالجملة يأتي في نطاق هجمة واسعة النطاق على السكان المدنيين.
وبينما يظل النظام هو المقترف الأكبر للاعتقالات غير القانونية، فإن تنظيمات إرهابية مثل داعش وجبهة النصرة هي أيضا تعتقل مدنيين تعسفيا. وخلصت لجنة التحقيق الدولية إلى أن جماعات متشددة، والنظام كذلك، اقترفوا جرائم حرب بالقتل والمعاملة القاسية والتعذيب. فجبهة النصرة، على سبيل المثال، أقدمت على إعدامات بالجملة للمسجونين، وأنشأت مراكز اعتقال في إدلب حيث تم توثيق حالات وفاة أثناء الاعتقال.
إن المملكة المتحدة واضحة في موقفها بأن انتهاكات حقوق الإنسان غير مقبولة ولا بد من محاسبة مقترفيها على جرائمهم. وفي الأسبوع الماضي رحبت وزيرة شؤون حقوق الإنسان البارونة آنيلاي ببدء الجلسة 31 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، ولديها أمل خاص في صدور قرار قوي يجدد تفويض لجنة التحقيق الدولية بشأن سورية. ويجب منح اللجنة حرية الدخول إلى سورية لكي يمكن يوم ما محاسبة الأسد وغيره من مقترفي الانتهاكات الإنسانية. فلن يكون هناك سلام دائم بدون تحقيق العدالة؛ ويجب ألا يفلت أحد من العقاب.
منذ بدء سريان مفعول وقف القتال في 27 فبراير (شباط) شهدنا تراجعا في العنف. تلك خطوة إيجابية، خاصة مع زيادة دخول المساعدات، ولكن لا بد من إدامتها بخفض الانتهاكات التي نسمع عنها.
ومثلما أن وقف القتال قد أتاح إمكانية الوصول إلى عدد أكبر من المناطق المحاصرة، لا بد وأن يتيح كذلك إمكانية الإفراج عن المعتقلين الذين يعانون من أوضاع لاإنسانية. ربما أمامنا الآن أفضل فرصة لتحقيق السلام منذ خمس سنوات. ولمواصلة التقدم نحو التوصل لتسوية تفاوضية، لا مناص من بناء الثقة واستمرارها.
وسوف تواصل المملكة المتحدة، بحكم دورها كعضو في مجموعة الدعم الدولية لسورية، الضغط على النظام ومن يدعمونه، وبخاصة روسيا، لمعالجة مسألة المعتقلين تعسفيا.
غاريث بايلي
الممثل البريطاني الخاص لسورية