19 October 2015 Istanbul, Turkey
أجل، يا موسكو، هناك معارضة سورية معتدلة
المروّج الإعلامي” مصطلح برز في اللغة الإنجليزية. لكن بالنظر إلى العمليات الإعلامية الروسية بشأن إجراءات روسيا العسكرية في سورية، من الأحرى أن يكون هذا المصطلح روسيّا.
تقول روسيا بأنها تقصف مواقع داعش. إلا أن أفعالها تفضح أقوالها. حيث أنها في الواقع استهدفت أساسا مقاتلين معارضين لنظام الأسد. وكانت 85% من عمليات القصف الروسي في مناطق لا وجود لداعش فيها أصلا.
تبدو روسيا وأنها تساير خيال النظام الذي يزعم أن كافة جماعات المعارضة إرهابية. لكن في الواقع إن أغلبية جماعات المعارضة معتدلة. ولهذه الجماعات دور أساسي في عملية انتقال بقيادة السوريين لأنها تعتبر، إلى جانب المعارضة السياسية في المنفى، بديلا ثالثا صادقا لسورية بمقابل وحشية الأسد أو داعش. وعلاوة على ذلك، من ناحية الأمن الدولي، قد يؤدي ما تسرده روسيا دعما للنظام إلى إضعاف المعارضة بصفتها القوة الأرضية الوحيدة التي تقاتل بصدق ضد داعش.
من هي المعارضة المسلحة؟ إن وضعنا جانبا إرهابيي داعش الذين ليس لهم وجود نهائيا في غرب سورية، والذين يخوضون قتالا صريحا ضد كافة جماعات المعارضة الأخرى، هناك فئتان عامتان من المعارضة المسلحة. بعضها متطرفة دون شك – ومن أبرزها جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
لكن المجموعة الأكبر من المعارضة المسلحة هي ما نعتبرها “معتدلة”. ذلك يعني أن لا هي متطرفة ولا هي إرهابية، بل ينصب تركيزها على إزالة نظام الأسد الوحشي وإنهاء الأهوال التي يرتكبها داعش في بلدهم. وباستثناء معاقل جبهة النصرة في أجزاء من إدلب وفي ريف شمال غرب سورية، يهيمن في المنطقة عدد أكبر من قوات المعارضة المعتدلة.
كيف تشارك جماعات المعارضة المعتدلة في العملية السياسية؟ هناك انطباع خاطئ شائع بأن المعارضة المسلحة المعتدلة مستثناة من العملية السياسية. لكن في واقع الأمر رغم أن تركيزها ينصب على معركة بقاء تخوضها ضد كل من النظام وداعش، فإن الجماعات المعتدلة منخرطة بشدة في مفاوضات المسار 2. وقد أدى ذلك إلى اتفاق كافة الجماعات الأساسية على أسس سياسية تشمل حماية حقوق الأقليات والنساء، والتعددية السياسية، وتمثيل الجميع، وإجراء انتخابات حرة والالتزام بسيادة القانون، واتخاذ إجراء ضد إرهاب القاعدة.
وخلافا لما يسرده النظام، هذه الجماعات براغماتية وتتفهم كيف أن قيمها، التي بعضها محافظ أكثر من غيرها، تتماشى مع قيم الديموقراطية والدولة المدنية، حيث أفكارها وآراؤها تشكل جزءا من التعددية.
ما سبب أهميتها؟ إن الجماعات المعتدلة مجتمعة لديها ما يربو على ثمانين ألف رجل مسلح يقاتلون كلا من النظام وداعش. ومساندتها مهمة لأجل التوصل لحل سياسي مستدام، وهي تتمتع بمصداقية كبيرة لدى الكثير من المواطنين السوريين. هذه المصداقية تعني أن هذه الجماعات توفر أفضل أمل لهزيمة داعش في سورية عسكريا وأيديولوجيا على حد سواء.
لكن تعرُّض الجماعات المعتدلة إلى قصف متزايد بشدته من روسيا ومن النظام جعلها واقعة تحت ضغوط أيديولوجية وعسكرية. وبات خطر الجنوح نحو التطرف حقيقيا؛ حيث أن من يقاتلون على الجبهة قد يفكرون بالانشقاق للانضمام إلى جماعات متطرفة مجهزة بموارد مناسبة يشعرون أنها بمكانة أفضل لتوجيه غضبهم والدفاع عن مصالحهم. ولهذا فإن إجراءات روسيا تأتي بنتائج عكسية تماما: حيث أنها ليست فقط تُضعف القوات التي تقاتل داعش، بل إنها بذلك أيضا تُشعل فتيل التطرف.
تشدد المملكة المتحدة دائما على أن هذا الصراع حله سياسي فقط. ولهذا السبب من المهم لنا تشجيع وحدة الهدف بين الجماعات المسلحة المعتدلة والائتلاف الوطني السوري وغيره من الأطراف السياسية، ودعم مشاركتهم في العملية السياسية. لكن طالما استمرت روسيا – وهي عضو في مجلس الأمن الدولي – باعتداءاتها على المعارضة المعتدلة، فمن الواضح تماما لماذا يجدون صعوبة برؤية جدوى ذلك.
كما أن المملكة المتحدة تواصل تركيزها التام على هزيمة وإضعاف داعش من خلال جهود التحالف العالمي، ومنع تفاقم الكارثة الإنسانية في سورية التي تسببت بأزمة اللاجئين. ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) استطاعت قوات التحالف تدمير مواقع لداعش قرب كوباني والحسكة، إلى جانب تدمير معسكر تدريب تابع لداعش قرب الرقة. والمملكة المتحدة – خلافا لما فعلته روسيا – لم تعمد للتدخل عسكريا في الحرب الأهلية السورية، بل ركزنا على هزيمة الإرهاب – كل من داعش والقاعدة، وقدمنا ما يفوق المليار جنيه استرليني من المساعدات للشعب السوري، وساعدنا المعارضة المعتدلة لتهيئة المجال اللازم للمضي في عملية سياسية حقيقية.
إن سورية بحاجة ماسة لحل سياسي لأزمتها المستمرة منذ نحو خمس سنوات. وليس باستطاعتنا حتى البدء بذلك ما لم تتوقف روسيا عن استهداف المدنيين، وتمنع البراميل المتفجرة التي يلقيها النظام، وتمتنع عن استهداف الجماعات المعتدلة التي تقاتل داعش وتشكل جزءا من مستقبل سورية.