25 May 2015 Istanbul, Turkey
في ذكرى الحولة – لماذا لا يمكن للطائفية أن تكون جزءا من مستقبل سورية
يصادف اليوم مرور ثلاث سنوات تماما على وقوع مجزرة قرية تلدو في الحولة، شمال سورية. وفق تقارير الأمم المتحدة تعرض 108 من المدنيين، بمن فيهم 34 امرأة و49 طفلا، لعملية قتل وحشية. وعلاوة على عدد قتلى هذه المجزرة، أثارت الطبيعة الطائفية التي أحاطت بأعمال القتل هذه إدانة دولية. وطردت الأمم المتحدة واثنتي عشرة دولة أخرى، من بينها المملكة المتحدة، الدبلوماسيين السوريين لديها. والآن، وبعد مرور ثلاث سنوات على تلك المجزرة، وبينما نتطلع إلى مستقبل سورية، علينا ألا ننسى صدمة وأهوال ذلك اليوم، 25 مايو/أيار 2012.
لكن علينا كذلك ألا نبالغ بأهمية الصبغة الطائفية لمجزرة الحولة. يقول البعض بأن الصراع السوري يتسم بالطائفية. وكي لا تصبح تلك بمثابة نبوءة تتحقق ذاتيا، اسمحوا لي أن أطرح ثلاثة أسباب لمواجهة هذه الجدلية وضمان ألا تصبح جزءا من مستقبل سورية. (لقراءة تحليل أكثر تفصيلا لهذه الجدلية، أوصي بقراءة هذا المقال التحليلي الذي كتبته لينا الخطيب من مركز كارنيغي للشرق الأوسط).
أولا، الغالبية العظمى من السوريين يريدون تماسك مجتمعهم وبلدهم. ويعمل الكثير من السوريين دون كلل أو ملل – العديد منهم مخاطرين بحياتهم – لأجل تحقيق مستقبل ديموقراطي لسورية ممثل للجميع. وأعضاء فرقة الخوذ البيضاء الملهمون يجسدون هذه المبادئ في سعيهم لإنقاذ أرواح كافة السوريين، بغض النظر عن خلفياتهم. ولا بد وأن تعكس أي تسوية سياسية هذه المبادئ، وأن تحقق عملية انتقال للسوريين تقدم رؤية للمستقبل يتقاسمها الجميع في سورية، وتؤدي لتأسيس نظام سياسي – كما قالت لينا – يكفل التمثيل السياسي العادل لجميع المواطنين، بغض النظر عن ميولهم الطائفية. ولهذا السبب نواصل دعم وتقوية المعارضة المعتدلة التي لديها رؤية تعددية وديموقراطية لمستقبل بلدها.
ثانيا، استغل النظام والجماعات المتطرفة الطائفية – دون اعتبار لأي مصالح أخرى – لتخدم مصالحهم الشخصية، وليس لمصلحة السوريين جميعا. والاستغلال بهذه الطريقة يؤثر على سورية والمنطقة والعالم عموما. حيث أن للنظام، تحت كل من بشار وحافظ الأسد، تاريخ طويل من استغلال الطائفية لبناء سطوته وضمان بقائه في السلطة. حيث روّج كلاهما لنفسه على أنه حامي الأقليات والجماعات العرقية في سورية، وبالتالي استغل عامل الخوف لبناء عقلية معوجّة وملتوية تشجع على حس من الاعتماد على حكمهما الوحشي. كما أن نظام الأسد يرحب بوجود منظمات إرهابية من المنطقة في الأراضي السورية لتقاتل في معاركه، بينما يلجأ متطرفون عنيفون مثل داعش إلى تجنيد المقاتلين من أنحاء العالم للمشاركة في حملتهم الوحشية في أنحاء سورية والعراق، معتمدين على ما يدعون بشأن الطائفية للترويج لأنفسهم.
إن مهمة المجتمع الدولي هي منع المتطرفين – سواء النظام أو الإرهابيين – من استغلال هذه الجدلية في الحديث نيابة عن غالبية السوريين. وقبل أن يتهمني أي أحد بقصر النظر التاريخي، أقول أنني مدرك لكيفية أن قوى عظمى قد استغلت عادة الهوية الطائفية سعيا لتحقيق طموحها الإمبريالي، ومثال على ذلك من خلال المناورة في القرن التاسع عشر “لحماية الأقليات” في الشرق الأدنى. لكن ذلك كان حينذاك، بينما هذا هو الوضع الآن: هناك مجموعة كبيرة من المعايير الدولية التي يجب على المجتمع الدولي الآن حمايتها.
ثالثا، التسوية السياسية الممثلة للجميع هي وحدها الكفيلة بضمان الاستقرار والسلام على الأجل الطويل. لطالما كانت سورية دائما واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط تنوعا من حيث الأصول العرقية والديانات. ولا بد وأن تعكس التسوية السياسية مستقبلا هذا التنوع، ما يؤدي لتأسيس نظام سياسي ديموقراطي وتعددي حقا يتيح المجال لمشاركة مجموعة مختلفة من الناشطين السياسيين في عملية انتخابية نزيهة. والحاجة للتوصل لتسوية سياسية ممثلة للجميع في سورية لم تكن يوما عاجلة أكثر مما هي الآن. وسنواصل بذل كافة الجهود لتحقيق ذلك، بما في ذلك من خلال جهود المبعوث الدولي الخاص ستافان دي ميستورا.
إنني لا أدعي هنا بأن فكرة الأمة السورية تمتد جذورها إلى قرون عديدة ماضية. وقد يقول البعض بأن تاريخ هذه الأمة يعود فقط إلى عام 1918 ومحاولات الأمير فيصل لتأسيس حكومة عربية في دمشق، لتكون مقر مملكة للعرب (وتجدر الإشارة إلى أن حتى حينذاك لم يكن هناك الكثير من الحديث عن سورية). لكن ما أقول هو أن سورية كأمة هي أكثر فكرة منطقية. حيث أنها على النقيض تماما لما يمثله الأسد والمتطرفون. فقد استغلت عائلة الأسد الفكر الطائفي، تحت غطاء عقيدة القومية العربية الاشتراكية البعثية، والتي هي بغيضة بحد ذاتها، لمواصلة إحكام قبضتها على السلطة. كما سارعت جماعات متطرفة مثل داعش بكل ترحيب لاستغلال نفس هذه الأدوات الطائفية الواضحة وضوح الشمس. وأدى ذلك بشكل جلي لأن تصبح سورية على شفا الدمار. وفي سعينا لإيجاد سبيل للخروج من هذه المأساة، علينا مراعاة ألا نقع في شرك ما يروج له كل من النظام والمتطرفون الإرهابيون.
آن الأوان لأن ندافع عن فكرة وجود سورية، كأمة تفتخر بنفسها وتعيش بسلام مع نفسها ومع الدول المجاورة لها، ضمن حدودها الحالية. وتشير لينا بكل حق إلى نقطة أن الحوار بشأن كل ذلك يجب أن يكون بقيادة “قوى سورية”. لكن على المجتمع الدولي أن يلعب دوره دعما لذلك.
ولدي نقطة أخيرة. علينا مواصلة التركيز بكل ثبات على ضرورة تقديم مرتكبي مجازر مثل مجزرة الحولة لمواجهة العدالة. المملكة المتحدة ملتزمة دائما بالمحاسبة عن الأعمال الوحشية التي ارتكبت أثناء الصراع السوري. وهذا الالتزام لن يخبو أبدا. تلك هي الرسالة من مجزرة الحولة: ضرورة المحاسبة وإحلال العدالة. وليس المنطق الملتوي الذي يركز على الطائفية.