17 May 2018 الشرق الأوسط
رمضان: فرصة لفن الدبلوماسية بين الأجيال
المشهد شائع. شبابٌ يجلسون في مجموعات “معاً ولكنْ بعيدون عن بعضهم البعض” في مقاهي مختلفة، شاخصين بأبصارهم نحو شاشات أمامهم ينظرون إلى جرعتهم التالية من “لايك” على فيسبوك أو انستجرام، أو أنهم يتابعون “بيبي” على “سنابتشات”. جيل الألفية منغمسون في تبادل الأحاديث عبر الإنترنت، أما نحن فلنا أن نختار… فإما أن ننضم إليهم أو نتخلّف عن ركبهم.
حتى الحكومات لم تَسلَم من وسيلة جيل الألفية في مناقشة وتقييم الأمور. ولم يسبق أبداً قبل الآن أن كان هناك جيلٌ قادرٌ على انتقاد حكومته لأنها عجزت عن أن توفِّر له ما يتوفر لجيل الألفية في البلد المجاور – إنهم يقارنون ويفاضلون.
وقد أدركتْ الحكومة البريطانية في مرحلة مبكِّرة جداً من عمر الثورة الرّقمية أن علينا أن نكون جزءاً من هذه المداولات، وأن نبدأ بالحديث عن أمورٍ تهمّ جيل الألفية. وأسّسنا مركزاً للإعلام الرقمي باللغة العربية حتى نساعد المتحدثين باسم الحكومة البريطانية بالعربية على التواصل الشخصي عبر مواقع الإنترنت إضافة إلى نشاطهم الرئيسي في الحديث المباشر مع محطات البث الإعلامية لشرح السياسة الخارجية البريطانية والدفاع عنها.
ويا لهُ من تغيير! فقد أضحى مركز الإعلام الرقمي العربي الآن محور العمل كله، وأمسيتُ أنا – بوصفي المتحدث الإعلامي بالعربية – مجرد رمز وواجهة للجيل الأقدم الذي يحب استقاء الأخبار من التلفزيون. ويُظهر آخر استطلاع لآراء الشباب العربي أن معظم الشباب العرب يفضِّلون معرفة الأخبار من الإنترنت. وليس في هذا أي مفاجأة لأيٍّ من الأهالي.
ولكن الشباب، سواء في المملكة المتحدة أو في الشرق الأوسط، يتداولون أيضا في الشؤون السياسية بطريقة مختلفة.. فمجموعات “واتسآب” يتبادلون الأحاديث عن قوانين السرعة الجديدة، أو يتحاورون حول ما إذا كان العالم العربي يفعل ما يكفي لمحاربة الفساد. وكون الإنترنت يخفي الهوية، وعدم الاكتراث بالمؤسسات السياسية التقليدية وانعدام الثقة بها، أدّى إلى ازدياد جرأة الشباب وإلى تركيزهم الأكبر على المجتمع عندما يتحدثون عما يمكن أن نسميه العمل السياسي. وسواء كان الموضوع شكاوى حول جمع القمامة أو ارتفاع في أسعار الوقود – فإن هذا يظهر إلى جانب مناقشات عبر الإنترنت حول المكان الذي تُشترى منه أجمل الحليّ الجديدة، أو تعاملات العديد من الطلاب الذين يبيعون ما لديهم من كعك أو حليٍّ عبر انستجرام.
يتّسم النقاش السياسي بين الشباب العرب بالانغلاق إلى حدٍّ كبير، ويُنشر على الإنترنت ويتشابك مع مسائل اجتماعية واستهلاكية، مختلطا بمقاطع غريبة نوعاً ما من الشِّعر وحول الصيد بالصقور.
فما الذي يعنيه هذا كله بالنسبة لديناصورات مثلنا؟ قد لا يكون هناك ما يُخجل تواضعنا نحن في الحكومة أكثرَ من منظر لجنة الكونغرس من متوسطي العمر وهم يستجوبون، بكل حسن نية، الرئيس التنفيذي لفيسبوك مارك زكَربيرغ – حيث بدا الفرق واضحا تماما في اللغة والقدرة على الأداء. فلقد تحدث الطرفان بلغتيْن مختلفتيْن وبأسلوب حوار الطرشان بدلاً من الحديث إلى بعضهم البعض. ولربما كانت أكثر اللحظات طرافة هي عندما وجّه عضو مسن من لجنة الكونغرس سؤالا إلى زكربيرغ حول لون الإيميل!
خلال سنواتي الثلاث كمتحدث إعلامي رسمي باللغة العربية، كانت أحاديثي السياسية في وقت متأخر من المساء موجهة على الأغلب عبر التلفزيون إلى نخبة متوسطي العمر. ومع مرور الوقت، أصبح واضحا أن فجوة الاستيعاب بين جيلهم والجيل الذي بعده تزداد اتساعا. وهذا يستدعي وجود نمط جديد من الدبلوماسية – دبلوماسية ما بين الأجيال – حيث يرسل جيل الألفية مندوبين لشرح وجهات نظرهم لأبناء الأجيال الأكبر سناً وبالعكس.
وإذ إن أكثر من 70 بالمئة من أبناء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هم تحت الثلاثين من العمر، وإذ يقارن الشباب العراقي أنفسهم بالشباب الكويتي، والفلسطينيون بالإسرائيليين، والتونسيون بالمغربيين، فلربما كان التقاطع الحقيقي في التواصل عبر الحدود هو ما يجري حاليا في المقاهي وغرف النوم بين أبناء جيل الألفية، حيث يتبادلون أحدث مقاطع فيديو “التفحيط” أو يلعبون معاً على عبر “إكس-بوكس”. وبالتالي علينا أن ندخل عالم تواصلهم.
ربما كان شهر رمضان أطول وقفةٍ في أي تقويم ديني (أطول من فترة الاحتفال بعيد ميلاد المسيح) حين يرفع الشباب أبصارهم عن شاشاتهم للحظة ويتجاذبون أطراف حديث ما بين الأجيال أثناء الإفطار أو السحور حول مختلف المواضيع التي تتراوح من الأزياء إلى كيفية إلحاق الهزيمة بداعش. هذا أقصى مثال على الدبلوماسية بين الأجيال في عالم مطّرد العُزلة حيث يعيش الشباب حياتهم عبر الإنترنت.
إننا بحاجة إلى اغتنام فرصة حلول هذا الشهر الفضيل لنبدأ بإغلاق الفجوة بين الأجيال، وذلك حتى يبدأ جيل الألفية بإشراكنا في أحاديثهم.
خلال شهر رمضان هذا العام، سيطلق مركز الإعلام الرسمي باللغة العربية التابع للحكومة البريطانية حملة تحت عنوان #رمضان_حوار_الأجيال. وفي نطاق هذه الحملة، سوف أطلب من المتابعين لي الشباب عبر الإنترنت أن يجيبوا عن ثلاثة أسئلة:
1- ما هو الاختلاف الرئيسي في رأيكم بين حياة أجدادكم وحياتكم أنتم؟
2- ما هو الموضوع الرئيسي للمحادثة بينكم وبين آبائكم أو أجدادكم وقت الإفطار في شهر رمضان هذا؟
3- ما هي تطلعاتكم التي لم يتمناها آباؤكم أو أجدادكم؟
قد يكون أعظم درس تعلمته أنا من المقابلات الإذاعية والتلفزيونية التي أجريت معي على مدى أكثر من ثلاث سنوات، وبخليط لغوي مربك من اللهجات النجدية والسورية والفصحى وبلكنة انجليزية، هو أنه قد يتوجب علينا نحن في الحكومة أن نتكلم أقل ونستمع أكثر. فلنستمع في رمضان هذا إلى أبناء هذا الجيل المتسامح والمنفتح والذكي، جيل الألفية الجديد الرائع هذا، حين يرفعون أنظارهم عن شاشاتهم ويتحدثون إلينا.
مدونة بقلم إدوين سموأل، المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
EdwinSamuelUK@