يميل لبنان إلى أن يكون على لائحة المراقبة التي نعتمدها لشهر آب (أغسطس). لكن في هذا العام، لم تشهد البلاد أزمة كبرى، إلا أنّ تطوّرات خمس رفعت من مستوى القلق فيها. فقد اتهمت اسرائيل حزب الله بتورّطه في الاعتداء الإرهابي الذي جرى في بورجاس، وتمّ توقيف وزير سابق من مناصري الأسد، وعادت موجات الاختطاف في غضون 48 ساعة خطرة، كما طلبت بعض دول الخليج من مواطنيها ترك البلاد، وعاد برميل بارود طرابلس إلى الاشتعال. وفي خضمّ هذه التطوّرات، أسرعت وسائل الإعلام إلى التشديد على السلبيّات.
لقد تعلّم لبنان أن يعيش ضمن مستوًى محدّد من انعدام الاستقرار. فمنذ مئات السنين وهو يعرف فترات من الهشاشة والضعف بسبب الحركة الإقليميّة والتحوّلات الديمغرافيّة الحسّاسة. وغالبًا ما تكون النتيجة بالنزاع والاصطفاف السياسي. فهل وصلنا إلى هذه المرحلة؟ ليس بعد… لكنني أظنّ أن اللبنانيين أدركوا أنّ قدرة الأسد على التأثير على الحياة السياسيّة حاليًا قد انحسرت. فنظام الرعاية السياسيّة السوريّة الذي تصلّب على مدى 30 سنة بدأ يضمحل. لا شكّ في أنّ هذه المرحلة صعبة لكن لا بدّ منها. فالبلد يعيش ترددًا وخوفًا ومراجعة للحسابات.
يسرع اللبنانيّون دائمًا إلى لوم الخارج على مشاكلهم عامة، لكن ما تغيّر تمامًا خلال الشهر المنصرم هو ظهور إشارات واضحة أنّ الطرفين في النزاع السوري أكثر استعدادًا اليوم إلى إثارة العنف في لبنان أو التجاوب معه ولا سيما في طرابلس. وكالعادة، ارتفعت حدّة نظريّات المؤامرة. أما المتفائل فرأى إيجابيّات: برأيه أحسن الجيش اللبناني بالاستجابة، ويحاول القادة السياسيّون الوصول إلى توافق آراء بما في ذلك من خلال الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس ميشال سليمان، كما أنّ الحياة العامة والأشغال لا تزال مستمرّة (والريهان أنني افتتحت للتو المتجر البريطاني ماماز أند باباز للاطفال) و هو يرى أنّ “ما لا يقتلك يقوّيك”. لكن في الوجه الآخر لهذه الجردة نجد عددًا أكبر من الأسلحة يدخل إلى البلاد والدولة تعاني الأمرّين لتأمين بعض الخدمات ووسائل الإعلام قلقة والحدود تعوثها الثغرات، وعدد اللاجئين إلى تزايد والطائفيّة تشتدّ والمجتمع الدولي مشغول بالنشاط الدبلوماسي في سوريا وربما “ما لا يقتلك يجعلك أكثر إصرارًا على قتل خصمك”.
أينما ذهبت في لبنان، يسأل الناس: “ماذا بعد”؟ يؤسفني أن أخيب أملهم بالقول: نحن أيضًا لا نعرف. فلبنان سيشعر بالهزات الارتداديّة من سوريا إلا أن إمكانيّة تفادي الانهيار ممكنة إذا سعى اللبنانيّون إلى تفاديه.
ولبنان، أكثر من أيّ بلد آخر في هذه المنطقة المضطربة يتأثّر بالحركيّة الإقليميّة: لذلك، لا بدّ من الوصول إلى توافق آراء أكثر صلابة بشأن عدم السماح للاعبين الإقليميين والدوليين بما يزعزع الاستقرار اللبناني. لذلك، أظنّ أن أعمال المملكة المتحدة يجب أن تتوافق مع مبدأ بسيط: دفع المجتمع الدولي والقادة اللبنانيين إلى البدء بالتعاطي مع لبنان على أنّه دولة مستقّلة لها مصالحها الخاصّة وحقوقها ومسؤوليّاتها والابتعاد عن النظر إليه من خلال الطيف السوري. هذا صعب نوعًا ما بسبب الأثر الذي نراه للأحداث السوريّة على لبنان، لكنّه أمر مهم جدًا.
وبشكل خاص، علينا أن نستحصل على الدعم المهم للبنان حتى نساعده على مواجهة العدوى من سوريا بما في ذلك من خلال التدريب الإضافي للجيش والتمويل الإضافي للاجئين السوريين. نحن نعمل على دعم إصلاح الشرطة والإعداد لانتخابات العام 2013. لدينا مشاريع لمساعدة الدولة على إعادة تثبيت نفسها وعلى تطوير علاقة أكثر فعاليّة مع المخيّمات الفلسطينيّة.
وبينما تستمرّ سوريا في مرحلتها الإنتقاليّة، آمل أن نتمكّن من التركيز في لبنان على فرصة الاستفادة من المواهب اللبنانية. الوضع أشبه بالمريض القلق الذي يذهب إلى الطبيب؛ نحن نعرف أنّ إمكانيّة الشعور بالألم ممكنة. لكنّ لبنان سيكون أقوى في علاقة جديدة مع سوريا والتزام أوضح بالمصالح اللبنانيّة أولًا. ربما سيتطلب حلّ الأزمة التكيّف معها وحسب، لكن في كل الحالات، المسألة بين يدي لبنان.