وصلت إلى بيروت منذ أكثر من ثلاثة أشهر. يقول لي اللبنانيّون كلّما تعرّفت إلى هذا البلد الرائع، قلّ فهمك له. لذا، أخشى أن ترتبك انطباعاتي الأولى بشكل أكبر على مر الأعوام الثلاثة المقبلة.
تُعتبر التناقضات في لبنان من الكليشهات المستهلكة جدًّا، إنّما لا تزال تلفت انتباه الواصلين الجدد: الأسواق الجديدة الصاخبة (مع أبرز العلامات التجارية البريطانيّة ) إلى جانب فندق هوليدي إن الذي لا يزال يحمل على جدرانه آثار الحرب الأهليّة؛ الحجاب والسراويل الضيّقة؛ الحكومة التي ترزح تحت عبء الديون، إنّما مع سيارات المرسيدس في كل زاوية. الافراط والامتناع. شاشات التلفزة المسطّحة العملاقة وانقطاع التيار الكهربائي. الآثار النفسيّة للاحتلال والحرب الأهليّة والندبات الجسدية لعاصمة تتفوّق في الجراحة التجميليّة على غيرها. لبيروت تبجّج سيدني، وأناقة باريس، وديناميكيّة دبيّ، فتولّد مزيجًا ساحرًا وملهمًا لقرون خلت لمن يأتي من الخارج. لكن، تجعلك تشعر بالدوران.
غالبا ما وجد لبنان نفسه سجين التاريخ والجغرافيا. ولجأ المضطّهدون في القرن العشرين إلى لبنان بحثًا عن ملجأ. لذا، بالنسبة إلى العديد من الأشخاص، كان البقاء على قيد الحياة في القرن الحادي والعشرين إنجازًا. سكّان الجبل: مرنون، وأقوياء، يضعون أسرتهم وعشيرتهم أولاً. وسكّان الساحل: مغامرون، وحالمون، وتجّار.
واللبنانيّون عالقون بين صخرة في الشرق/الشمال ومنطقة صعبة في الجنوب، فلم يكن من المفاجئ أن يختار عدد كبير من اللبنانيّين اللجوء إلى الغرب، بما أنّ لبنان لطالما كان ناقلاً لانعدام الاستقرار الإقليمي، ساحة صراعات الآخرين. وبالنظر إلى لبنان على أنه أرض اختبارات للقوّة النسبيّة لتدخّل الأجانب، نتعارك حول هويّة من يتسلّم زمام السلطة. لكنّ اللبنانيّين يدركون أن المعركة من أجل روح لبنان لم يُفز بعد بها. ولا تؤمن أي مجموعة حقًّا بأنّ هذا ممكن. فيبقى قائمًا نظام هش، إنّما نظام عملي من التوافق، والرعاية، والتسوية. ونتيجةً لذلك، يبقى لبنان، من خلال تنوّعه، المكان الأفضل لجسّ نبض العالم العربي.
لكن التحوّلات في المنطقة تولّد شكًّا وخوفًا أكبر – نظرًا إلى الماضي. فكل مجموعة أساسيّة تجمع قواها، وتنظّمها، وتختبر تحالفاتها الداخليّة والخارجيّة. فلبنان مرجل سياسات غير ناضجة. ما من حلفاء أو أعداء دائمين. ويخشى العديد أن تزداد الطائفيّة سوءًا – فقط 5% في التعليم المشارك، بالمقارنة مع 40% منذ الجيل الماضي. اللبنانيّون ، يؤمنون بالقضاء والقدر – “هذا لبنان” – في ما يتعلّق بهذه المشاكل. وغالبًّا ما يلقون اللوم على الخارج، وعادةً لسبب وجيه.
مع هذه التحديات العديدة كلّها، بالنسبة إلى بعض المراقبين، من غير المنطقي ألا يزال لبنان قائمًا. وبرأيي، يعود ذلك إلى مجموعة عوامل – المال، والخوف من العودة إلى الماضي، وقبل كل شيء، موهبة اللبنانيين، وابداعهم، وصلابتهم. لكن لقابليّة التكيّف هذه وجه سلبي، لأن اللبنانيّين يتقبّلون المشاكل التي يجب حلّها ويتعايشون معها. وبالتالي، لا يضمن ذلك الحكومة الفُضلى – حتى أن الحصول على أبسط التشريعات يعتمد على المفاوضات المستمرّة والمجازفة السياسيّة، ممّا يهدّد بتوليد الجمود.
تميل التدّخلات الخارجيّة في لبنان إلى الانتهاء بذرف الدموع. وكما يقول الناس لبنان أصغر من أن يقسم وأكبر من أن يبلع :. فهل علينا أن ننذهل أمام معجزات لبنان، إنّما نُصاب باليأس حتى رؤية التغيير؟ لا أظنّ ذلك، وليس هذا بالموقف المفاجئ. برأيي، تبقى القوى التي تحافظ على تماسك لبنان أقوى من تلك التي تسعى إلى تفكيكه. وعلى المملكة المتحدة أن تكون ضمن مجموعة القوى الأولى. إذا كنّا عاجزين عن الفوز بحجّة الديمقراطيّة، والسياسة، والتعايش في لبنان، نخسرها في ديارنا.
تقضي مهمّة السفارة في لبنان بخدمة البريطانيّين، من خلال شراكة مزدهرة مع لبنان مستقر وسيادي. ودعمًا لاستقرار لبنان، أرى أن المملكة المتحدة باستطاعتها
– دعم الدولة. يجب أن نكون واقعيّين بما نستطيع تقديمه وألا نسعى إلى حل كل مشكلة نراها. يجب أن نحث اللبنانيين أنفسهم من أجل المطالبة بنتائج أفضل ودعم القادة الذين يركّزون على الاصلاح، والأهمّ من ذلك، تحرير الانترنت، وضمان تيار كهربائي أفضل، وإصلاح النظام الانتخابي. كما يُمكننا لعب دورنا في حماية لبنان من انعدام الاستقرار بسبب التغييرات في أماكن أخرى – فنمدّ بدعمنا المؤسّسات على غرار الجيش، الذي يدعم الدولة؛
– الاستثمار. سجل شركات المملكة المتحدة جيّد في مجال البنى التحتيّة، وصناعة الأدوية، والسياحة. وأنا متأكّد أنّه يُمكننا القيام بالمزيد، بما في ذلك التصميم/الأزياء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وسندفع بقوة للعمل على جدول الأعمال هذا؛
-الالتزام، مع هدف مستقل ، بتأمين فلسطين قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل آمنة، الذي من دونه لا يُمكن للبنان قطّ أن يتوصّل إلى توازنه؛
– تشجيع القادة اللبنانيّين على التحكّم بشكل أكبر بمصير البلد واللجوء بنسبة أقل إلى الخارج للحصول على أجوبة، وضمان الأمن والمسؤوليّة. ونقطة الانطلاق تقضي بالتخلّص من العلامات التي لا تزال تطبع السياسيين في ما يتعلّق بسوريا التي هي قيد التغيير. آمل تشجيع اللبنانيّين على قضاء المزيد من الوقت بالتحدّث إلى بعضهم البعض، بدل دعوة الخارج إلى تقسيمهم وفرض حكمهم عليهم. البقاء معًا أو الانهيار.
وعند التطرّق إلى هذه المواضيع كلّها، أظنّ أنّه علينا التركيز على المستقبل. تجري نقاشات عديدة حول المواضيع الآنية المطروحة. لذا، أريد أن أطلق حوارًا حول ما قد سيكون لبنان عليه في العام 2020، عن عمر 100 عام. اطّلعوا على مدوّنتي المقبلة لقراءة المزيد.