سأترك السودان قريبا، بعد ما يقارب الثلاث سنوات قضيتها هنا. لقد كانت تجربة جاذبة بشكل كبير، متطلبة، محبطة ومُجزية في انٍ واحد. لقد تعلمت الكثير خلالها عن السودان، عن مهنتي الدبلوماسية، وعن مختلف التحديات و الظروف التي يعيشها الناس في حياتهم
السودان غيرني
سأغادر ومعي الكثير من الذكريات الدافئة ، من غروب الشمس وارتفاعها فوق أهرامات البجراوية إلى ذكريات رحلة مذهلة خلال البطانة، من الصداقة وكرم الضيافة اللذين شهدتهم من الكثير من السودانيين وخاصة في فطور يوم الجمعة الصباحي وعلى موائد الإفطار في شهر رمضان. سآخذ معي ايضاً ذكريات من قاعة المسرح القومي المعبأة بما يزيد على ٣٠٠٠ من الجمهور المتحمس والمتفاعل مع الأداء القوي لمسرحية شكسبير “هاملت” من قِبل شركة مسرح جلوب، من الشجاعة والحماس لدى العديد من السودانيين الذين نعمل معهم و الذين يحاولون دفع البلاد إلى الأمام، و أيضاً من التعامل مع الحكومة بشأن القضايا المهمة
أنا فخور بما حققته المملكة المتحدة في السودان على مدى السنوات الثلاث الماضية فقد قدمنا الدعم الدبلوماسي والعملي للمبادرات السودانية لإحراز تقدم بشأن التحديات الرئيسية التي تواجه البلاد. أذكر، على سبيل المثال، دعمنا للمفاوضات التي أدت إلى اتفاقية اديس أبابا بين السودان وجنوب السودان، التوصل إلى تسوية سلمية في دارفور، ودعمنا لحوار وطني شامل. بالإضافة لذلك, فإننا لم نبتعد عن أولئك الذين هم في أمس الحاجة. نحن ثاني أكبر جهة مانحة للعمليات الإنسانية في السودان ونحن نساعد في تقديم برامج الصحة والتغذية إلى ٣ مليون شخص، وتوفير الأمن الغذائي وسبل العيش والمساعدة إلى ١.٥ مليون نسمة.
من خلال عدة طرق مبتكرة نساهم أيضا في تطوير قدرة السودان الكامنة على المدى الطويل، ساعدنا في بدء ورعاية برنامج مشروعي الذي يهدف الى تعزيز ثقافة ريادة الأعمال في السودان، ويسلط الضؤ على أفكارتجارية جديدة ودعمها لتحقق نجاحا في حد ذاتها وتلهم الآخرين. قدمنا التدريب لأكثر من مائة من الصحفيين والمحررين للمساعدة في بناء الكفاءة المهنية والقدرة على التكيف لوسائل الإعلام السودانية، وإلى ما يقرب من ٤٥٠٠ من مدرسي اللغة الإنجليزية مما يساعد أكثر من ٢٠٠,٠٠٠ طفل . لقد ضاعفنا عدد منح شيفنينغ المرموقة المقدمة الى المتميزين من الخريجين السودانين الى ثلاثة أضعاف لإتاحة الفرصة لهم لمتابعة دراساتهم العليا في المملكة المتحدة
لقد دافعنا بقوة عن اهمية إحترام حقوق الإنسان وذلك مع الحكومة و آخرين. نحن فخورون بمشاركتنا في قضايا برزت و ذاع صيت نجاحها. كذلك وقد احتفلنا ونفذنا محليا حملة عالمية للمملكة المتحدة لمعالجة القضايا الصعبة المتمثلة في العنف الجنسي في النزاعات، وختان الإناث والزواج المبكر والقسري
كل هذا مهم، أنه يحدث فرقا حقيقيا لكثير من الناس. أنا أعرف هذا لأنهم اخبروني بذلك. نحن ننقذ أرواح ، وندعم ضحايا القمع، ونعطي المهنيين ورجال الأعمال والشباب المبتدئين الفرصة لتطوير قدراتهم والإسهام في بلدهم
ولكنه لا يكفي
بالنسبة لي، وأنا واثق مثل الكثير من السودانيين في جميع مناحي الحياة تقريبا ، كانت تجربة السنوات الثلاث الماضية واحدة من الإحباطات وخيبة الأمل. فشلت الوعود الجديدة للسودان في عملية السلام الشامل من ان تتحقق. لم تحرز الحكومة تقدماً في الحوار الوطني ولا في القضاايا المهمة اللتي كان من المفترض من الحوار معالجتها. لم تكن المعارضة قادرة على ان تقدم للشعب السوداني البديل الموثوق الذي يحتاجون إليه. القوة العسكرية، سواء من الحكومة أو الحركات المسلحة فشلت كما هو متوقع في حل أي من قضايا الصراع . محاولات المجتمع المدني لحماية وتعزيز حقوق الإنسان بالكاد لامست السطح. والتجارة تكافح مع تدهور المناخ الاقتصادي.
وتتصدر هذا كله معاناة الشعب. لقد ارتفع معدل البطالة و نزح ما يقارب ٤٥٠,٠٠٠ شخص إضافي العام الماضي ، ليصل العدد الإجمالي إلى أكثر من ٣ مليون. ٤.٥ مليون سوداني يعانون من سؤ التغذية أو يعانون من انعدام الأمن الغذائي. ببساطة ليس هناك مبرر للتجاهل الوحشي لحياة ومعيشة الشعب السوداني الذي يعيش في مناطق النزاع.
نتيجة لذلك، كثير من السودانيين، بما في ذلك بعض الذين عادوا من الخارج، اخبروني أنهم غادروا لأنهم لم يستطيعوا العثور على فرصة عمل، أو لأن ظروف العمل سيئة لقاء أجر غير كاف ، أو بسبب ان طموحاتهم لتطوير انفسهم ومساعدة الآخرين احبطت من خلال العقبات السياسية أو البيروقراطية. في حين أن هؤلاء تحديدا هم الناس الذين يحتاجهم السودان لبناء مستقبله
كنا واضحين في رأينا عن انتخابات أبريل نحن لا نعتقد أنها كانت ذات مصداقية . ولكنها يمكن أن تمثل نقطة للمراجعة إذا السودان اختار ذلك . تحدث الرئيس في خطاب تنصيبه عن “عهد جديد”. الحكومة ، المعارضة ، المجتمع المدني ، رجال الأعمال والمجتمع الدولي جميعهم بجب عليهم التعلم من دروس السنوات القليلة الماضية ، انه لا يتطلب الكثير من أجل تغيير مسار السودان، ولكن الأمر يحتاج أكثر من الكلمات . على الحكومة ان تهدي البيئة التي تُمكن الحوار الوطني من النجاح ، هو الحال بالنسبة للمعارضة والمجتمع المدني والحركات المسلحة لبناء برنامج و حركة متماسكة، ذات مصداقية من أجل تغيير سلمي. أي من الأطراف المتحاربة تستطيع تنفيذ وقف إطلاق نار من جانب واحد والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيود. لا يمكن للمجتمع الدولي أن يجعل هذا يحدث في السودان. ولكن في وسعه ان يدعم و يساعد اي مبادرة سودانية في هذا الاتجاه
على الرغم من أنني أشعر بخيبة أمل, لكني لم أفقد الامل تماماً. السودان بحاجة إلى التغيير. ولكنه بحاجة إلى تغيير مدروس، متأصل ، ثابت ومفيد. وهذا لن يحدث بسرعة . خلال سنواتي الثلاث هنا كان لي شرف العمل مع العديد من السودانيين الشجعان والملتزمين من مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي الذي يريدون مستقبل أفضل لبلدهم . قدمنا لهم ما في وسعنا، وأتمنى لهم القوة والحظ الجيد في مساعيهم
سوف تكون مشاركتي الأخيرة في السودان تتمثل في استضافة حفل إفطار لجميع موظفي السفارة. الغالبية العظمى منهم بالطبع هم سودانيين . وهم صورة مصغرة للتنوع في السودان. انهم يأتون من مجموعة واسعة من الخلفيات الإقليمية والعرقية والدينية، فهم نشطون وملتزمون وموهوبين . لقد كانوا زملاء رائعين. هم والسودان يستحقون ما هو أفضل