الموضوع الذي تناوله اليوم العالمي للمدونين هذا العام هو موضوع إنعدام المساواة. يتخذ إنعدام المساواة العديد من الأشكال من أهمها إنعدام المساواة الإقتصادية وهو القضية التي تستحوذ على جل الإهتمام هذه الأيام. لقد أثار نشر كتاب توماس بيكيتي المُسمى برأس المال في القرن الحادي والعشرين جدلاً كثيفاً حول فكرته المحورية القائلة بتزايد إنعدام المساواة خلال العقدين الماضيين في العالم المتقدم وذلك بسبب الطبيعة الموروثة للرأسمالية. صحيح أن هناك الكثير من اللغط حول أدلته النظرية والتجريبية. ولكن ليس هناك شك البتة في أن إنعدام المساواة تُعد قضية ضاغطة بين الأمم وداخلها.
من الصعب العثور على الإحصائيات الخاصة بإنعدام المساواة في السودان ولكن الجميع يعلم أن الفقر مستشر لدرجة كبيرة. ومن الواضح أيضاً من خلال النظر إلى المدن والشركات الناجحة والأعمال الزراعية ولأكثر من عقد من الزمان لإنتاج النفط أن السودان قادر على توليد الثروة والرفاهية. إذاً لماذا تنعدم المساواة؟ جزء من الإجابة على هذا السؤال هو الصراع. فالحرب مكلفة وتسهم إسهاماً مباشراً في إفقار المتأثرين بها. يوجد الآن نحو مليونين من النازحين في السودان يعيش الكثير منهم في حد الكفاف وهذا هو الأمر الذي يجعل المساعدة في إنهاء النزاع من أولويات المملكة المتحدة في السودان. من المُحبط أن تُؤجل المحادثات المقرر عقدها بين الحكومة والقوات المتمردة لمناقشة وقف إطلاق النار المحتمل و/أو وقف العدائيات في دارفور والمنطقتين. نأمل أن تُعقد هذه المحادثات قريباً وأن تنجح في إستباق تجدد القتال خاصة وأن فصل الأمطار يقترب من نهايته.
وفي هذه الأثناء نحن نتدخل تدخلاً مباشراً لدعم المتضررين من جراء الصراع. لقد ساهمت المعونة البريطانية بواحد وعشرين مليون وتسعمئة الف جنيه استرليني قدمتها لبرنامج الغذاء العالمي لتوفير القسائم الغذائية للشرائح الضعيفة. كما تقدم المعونة البريطانية دعماً للصندوق الإنساني المشترك تبلغ قيمته سبعة عشر مليون جنيه استرليني سنوياً وهذا يُسهم في تمويل المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة لتقديم المساعدات الضرورية بما في ذلك التغذية في حالات الطوارئ والماء والصرف الصحي وكذلك الخدمات الصحية.
بيد أن الفقر لا يقتصر على مناطق النزاعات وحدها. وفقاً لما أوردته الأمم المتحدة فإن هناك نحو سبعمئة وخمسين الف طفل في السودان يُعانون من سوء التغذية الحاد في كل عام الأمر الذي يعرضهم لخطر الموت جوعاً. وهنا أيضاً نحاول الإدلاء بدلونا إذ أن مشاريع المعونة البريطانية الخاصة بالمياه والصرف الصحي تهدف إلى توفير المصادر الدائمة للمياه النقية الصالحة للشرب لنحو نصف مليون شخص بشرق السودان كما تهدف إلى تطوير مرافق الصرف الصحي وترقية الممارسات الصحية وذلك بحلول العام 2018.
إن إحداث أي تأثير مستدام وعلى المدى الطويل فيما يتعلق بالفقر يتطلب جهداً جهيداً من حكومة السودان ومن ورائها دعم المجتمع الدولي. وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون والتي تعد الطريق الذي يسلكه السودان لإعفاء ديونه. وهو الطريق ذاته الذي سلكته وأكملته بنجاح نحو خمسة وثلاثون بلداً. ولكن لكي يحقق إعفاء الديون أهدافه على المدى الطويل يجب أن يكون مصحوباً، ومسبوقاً بطبيعة الحال، بإدارة فاعلة للإقتصاد الكُلي مع التركيز على تخفيض حدة الفقر.
ولقد بدأ السودان أولى خطواته من خلال رسم إستراتيجية قصيرة المدى تهدف إلى تقليل حدة الفقر وتبني البرنامج المراقب من قبل موظفي صندوق النقد الدولي. ومن هنا يمكن القول أن الجزء الأكبر من موارد الحكومة يجب توجيهها إلى تخفيض حدة الفقر بالإضافة إلى معالجة مسببات النزاع. هذا مشروع كبير ولكن ما أن تبدأ الحكومة في تنفيذه ستجد أنها تُحظى بدعم المجتمع المدني.
يلعب القطاع الخاص دوراً فاعلاً في إنتاج الثروة وتخفيض حدة الفقر ولقد دُهشت أيما دهشة في زيارتي الأخيرة للقضارف بمدى كبر حجم المشروعات الزراعية الناجحة التي تقف في صف واحد مع صغار المُلاك الفقراء. هناك العديد من المشروعات الإحترافية الناجحة في السودان ونحن نريد العمل معهم ونريد كذلك مساعدة صغار المُلاك من خلال البحث عن طرق لتطوير سلسلة الإمداد والربط بين الإثنين وذلك لما فيه خير الطرفين. لايزال هذا العمل في طور الإعداد ولكنه واحد من عدد من البرامج التي تهدف إلى مساعدة السودان لكي يُساعد نفسه وذلك من خلال الإستفادة من مواهبه وموارده المتعددة.
الفقر في حد ذاته من أكبر أنواع الظلم فهو يُفسد ويُقصر الحياة. هذا بالإضافة إلى أنه يسهم إسهاماً كبيراً في تبديد الموارد الإقتصادية. إن الملايين من الفقراء في السودان هم ضحايا للنزاعات وسوء توجيه الموارد وإنعدام العدالة الإقتصادية. بيد أن هؤلاء أيضاً يمثلون فرصاً للسودان وعلى الحكومة أن تبدأ في شق طريق يُعالج الأسباب الرئيسية للفقر وإنهاء النزاع وخلق البيئة التي تمكن كافة أبناء الشعب السودني من توليد والإستفادة الرفاه القومي.