Site icon Foreign, Commonwealth & Development Office Blogs

إكتشاف الجانب الآخر من الحياة في السودان

كانت إجازة العيد فرصة إنتهزتها مجموعة من موظفي السفارة للهروب من الخرطوم وإكتشاف معالم الحياة خارج العاصمة. وهنا يسردون قصتهم التي أتمنى أن تستمتعوا بها:

الفيضانات في شندي

بشوق يحدونا للإستفادة القصوى من أيام العطلة القليلة، كنا قد عقدنا العزم على الخروج من الخرطوم لإكتشاف السودان. وبالقليل من التخطيط ولكن بتوق كبير للمغامرة، إنطلق الركب في البدء إلى بورتسودان ميممين شطر المنتجع البريطاني القديم في أركويت قبل أن نشق طريقنا جنوباً نحو كسلا ومن ثمة العودة مجدداً إلى الخرطوم بعد مُضي خمسة أيام وإجتياز مسافة الفي كيلوميتر. بطريقة ما، كانت الرحلة نفسها مغامرة فقد أنطلقنا بعد هطول أمطار غزيرة لنواجه فيضاناً عارماً تسبب في قطع الطريق في شندي الأمر الذي جعل نصف سكان المدينة يخرجون ليتفرجوا على البصات وحتى السيارات الصغيرة وهي تُصارع من أجل العبور. لقد كان المشهد تجسيداً صارخاً لقدرة الأمطار على الدمار وكذلك على إصرار الناس على المُضي بشؤون حياتهم قُدماً. في الوقت الذي لا نكون فيه في محاولات لشق طريقنا وسط مياه الفيضانات، كنا نُمضي الوقت في محاولة تجنب اللواري والحفر وقطعان الإبل. حتى قيادة السيارة في السودان تعدُ تجربة فريدة تستعصى على النسيان.

مستمتعاً بالمشهد

وما أن خرجنا من الخرطوم، وعلى جانبي الطريق، تكشف لنا جمال السودان الخلاب الذي لم نكن نتوقعه والذي أطل من خلف كثبان الرمل والصلصال الضخمة. وقد كشفت لنا جولتنا في الصباح الباكر من معسكرنا بأركويت صحراء مترامية الأطراف تمتد نحو البحر الأحمر وهو مشهد رائع دفعنا لمواصلة السير مرة أخرى. وفي طريقنا مررنا بميناء سواكن التاريخي والذي رغم تدهور أوضاعه، يُعطي لمحة رائعة البهاء لعالم إنطوت أحقابه وكذلك إمكانية نهوض آخر مكانه، خاصة وأن الفنادق والمرافق التي تم إنشاؤها مثيرة للإعجاب حقاً ولا ينقصها شئ سوى حضور السائحين ليملؤا جنباتها. أمضينا رابعة نهارنا نسبح فوق عالم من الأسماك الملونة والشُعب المرجانية وهو ما لا يتخيله الناس في المملكة المتحدة عندما يفكرون في السودان ولكن ينبغي عليهم أن يفعلوا.

Free camping

ولكن بعيداً عن كل المناظر الخلابة، فإن أفضل مافي السفر في السودان هو حرية الذهاب أينما شئت، فقد كنا في نهاية كل يوم نقود سياراتنا ونتوغل في داخل الصحراء ثم نحط رحالنا في إنتظار إطلالة النجوم. إن أجمل مافي هذا الأمر هو أننا كنا نتمتع به وحدنا.

لحظة تأمل

بالإضافة إلى كل ذلك، ومع جمال الطبيعة الباهر، فإنا ما جعل هذه الرحلة أكثر إمتاعاً هو الناس في السودان الذين يستقبلوننا في محطاتنا بإبتسامامتهم الدافئة وكرمهم الدفاق. بل حتى الحرس في نقاط التفتيش كانوا يدعوننا لتناول إفطار رمضان معهم. بعد ذلك كانت فترة مكوثنا في كسلا والتي كانت من أكثر محطات الرحلة إلتصاقاً بالذاكرة. فبعد ساعات من البحث لمكان ملائم لإقامة معسكرنا، إتجهنا نحو مسجد الطائفة الختمية الذي يقبع تحت سفح جبال التاكا، وأثناء تجوالنا داخل المسجد ونحن نحمل مفارشنا ووسائدن أشار إلينا بعض الرجال الذين يرتدون الجلابيب البيضاء بالذهاب إلى مكان قصي في المسجد للنوم من غير أن يتساءلوا حتى عن هوية هؤلاء الخواجات الثلاثة ذو اللحي غير الحليقة. لم يكن بمقدورنا بطبيعة الحال الخلود إلى النوم. لقد كانت تجربة ساحرة إذ أمضينا الليل ساهرين نُرهف السمع إلى المدائح الصوفية وصوت المؤذن وهو يدعو إلى إقامة الصلاة (ناهيك عن مواء القطة).

النوم في المسجد

وأخيراً أشرق الصباح وبدأت جنبات المسجد تمتلئ رويداً رويداً بالرجال والنساء الذين جاءوا لأداء صلاة العيد بينما كان الأطفال الذين يرفلون في أبهى حلة ينطلقون صوب الجبال. إنه اليوم الأول من أيام العيد وقد خُيل لنا أن كسلا كلها قد إجتمعت في ذلك اليوم. ومع إنتهاء الصلاة قامت أحدى الأسر بدعوتنا في منزلهم حيث أخذنا حماماً كنا في أشد الحاجة إليه بالإضافة إلى تزويدنا بالطعام. ثم أخذ الهدوء يسود رويداً رويداً مع التوقف التدريجي لمجموع المباركين للعيد. من نواح كثيرة، كان الأمر لنا أشبه بالإحتفالات في بلادنا- الأسرة، الأصدقاء، والطعام- إلا أن الكرم هنا موجه لإناس غرباء تماماً. بحلول العاشرة صباحاً كنا قد إلتقينا بنصف سكان كسلا وقد قُدمت لنا العديد من أنواع الحلوى وكمية وافرة من الشاي وخليط غريب مؤلف من السفن أب والزبادي بالإضافة إلى إفطار عيد لاينقصه شيء.

مشاركة الأسرة في وجبة الطعام

بعد شعورنا بالتخمة، قررنا الإنطلاق نحو أعالي جبال التاكا يقودنا إبن مضيفنا، إبراهيم الذي كان ينطلق بخطوات واسعة ولم يأخذ سوى جرعات صغيرة من الماء في الوقت الذي كنا فيه نستبسل في محاولة السير من خلفه ونحن نشرب كمية من المياه من زجاجاتنا. ولكن بعد صراع مرير إستطاع أحدنا أن يشق طريقه نحو القمة. لقد كانت المرة الأولى لخليفة أيضا الوصول إلى القمة وقد كان سعيداً وهو يُرينا معالم مدينته من هناك. بدأنا رحلة العودة إلى الديار مرة أخرى ونحن على درجات متفاوتة من التعب والإرهاق، ولكن قبل أن نُغادر كان كل أفراد الأسرة معنا ليقولوا لنا وداعاً وقد حملونا كراتيناً من التمر والبسكويت والذي أعطيناه بدورنا إلى أحد رعاة الماعز وأسرته- من الواضح أن العادات السودانية قد تملكتنا نحن أيضاً.

الخروج مع بعض الشباب

على الرغم من أننا أمضينا أياماً من غير نوم وساعات لاتنتهي في داخل السيارة إلا أننا عدنا إلى الخرطوم ونحن نشعر بنشاط متجدد بسبب هطول الأمطار الغزيرة. من المهم جداً أن يترك الإنسان السياسة وعناوين الأخبار لعدة أيام حتى يتمكن من معايشة الحياة اليومية في السودان فهي التي تجعل منه بلداً مُميزاً.

في سقف العالم
Exit mobile version