لم تكن الأسابيع الماضية جيدة بالنسبة للسودان، إذ أن إدانة مريم إبراهيم بتهمتي الردة والزنا قد أثارت عليه غضباً دولياً. كل من تحدثت معه من السودانيين كان في غاية الحرج بسبب هذه القضية ويتوقع إلغاء الحكم عند الإستئناف وأن الجميع يحدوهم الأمل في أن يحدث ذلك عاجلاً وليس آجلاً. قد لا يُمثل الذين تحدثت معهم السودان بكامله ولكن هناك العديد من كبار الشخصيات في السودان، منهم مسؤولون حكوميون، أخبروني بأن القاعدة القانونية التي بُنيت عليها الإدانة ليست صحيحة وأنها تتناقض تناقضاً صارخاً مع الدستور الذي يضمن الحرية الدينية (وهي وجه نظر المملكة المتحدة أيضاً)، وقد أكد لي أحد الأئمة أيضاً أن حرية الإعتقاد مكفولة في القرءآن الكريم.
أسرعت المملكة المتحدة لإتخاذ خطوة جادة (في لغة الدبلوماسية) بإستدعاء القائم بأعمال السفارة السودانية رسمياً للإعراب عن عميق قلقنا بسبب الحكم الصادر بحق المُدانة وأننا نرى أن ذلك يُشكل إنتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان الإساسية بالنسبة لمريم. ونحن لانزال نؤكد على هذه الرسالة في كل لقاءآتنا العامة والخاصة. ونأمل أن يُطلق سراحُها في القريب العاجل وسنستمر في الضغط على السلطات السودانية حتى يتحقق ذلك.
من الشخصيات ذات الوزن الثقيل سياسياً والتي تقبع وراء القضبان الآن هو زعيم حزب الأمة المعارض السيد الصادق المهدي والذي أدى أمر إعتقاله إلى إهتزاز عملية الحوار الوطني والتي لم تكد تخطو أولى خطواتها في واقع الأمر. لقد تعرضنا لبعض الإنتقادات بسبب التصريح بدعمنا لعملية الحوار الوطني الحقيقي والشامل لكل وجهات النظر في السودان بما في ذلك المجموعات الأخرى من غير الأحزاب السياسية الرسمية والذي من شأنه معالجة القضايا الاساسية التي أوضحها الرئيس عندما أعلن عن إنطلاق هذه العملية. ولاتزال هذه وجهة نظرنا. شكك العديدون في جدية الحكومة، ولكن من الواضح أنه لن يكون هناك أدنى أمل لنجاح مثل هذا الحوار بينما يقبع أحد أقطاب المعارضة في غياهب السجن ومع تشديد القبضة على حرية الصحافة القليلة التي كانت متوفرة. أخبرني أحد الوزراء الكبار في الحكومة، ممن يدعمون الحوار، أن الصحافة ترفع من درجة حرارة الوضع. حسناً فالأمر يحتاج إلى تدخل علاجي عاجل حتى لا يُصبح المرض قاتلاً. كما أن أمر الإعتقال قد قضى، في الوقت الراهن، على أي بارقة أمل للتقدم في التفاوض لحل الصراعات في جنوب كردفان والنيل الأزرق حيث لايزال القصف متواصلاً، بل ويبدو أن حدته تسير بوتيرة متسارعة أكثر من ذي قبل الأمر الذي فاقم من معاناة المواطنين الأبرياء ولهذا يجب أن يتوقف.
من الأسباب التي جعلت قضية مريم تُلامس وتراً حساساً هو أنها جاءت في وقت تزايدت فيه حالات الغضب على النساء. لقد عملت في باكستان قبل حضوري إلى السودان، لذا فإنا أعرف ذلك البلد معرفة جيدة وأحبه كثيراً. ولكن كان رجم أحدى السيدات هناك إلى فارقت الحياة أمراً صادماً ومريعاً. وكذلك أيضاً مسألة إختطاف ثلاثمئة فتاة في شمال نيجيريا (قدمت الحكومة البريطانية الموارد اللازمة للحكومة النيجيرية لضمان تحريرهن) بالإضافة إلى موجة القتل التي يبدو وكأنها مستوحاة من فيلم الكراهية المسعورة للنساء (rabid misogyny) لإليوت روجر في الولايات المتحدة الأمريكية. مع إختلاف السياق في كل حادثة من هذه الحوادث المُريعة وإختلاف ردود أفعال وإستجابة السلطات المحلية لأي منها. بيد أن هذ القضايا على إختلافها هناك خيط رفيع يجمعها. أنه الخيط الذي يربطها بمبادرة الحكومة البريطانية لمنع العنف الجنسي في مناطق النزاعات والتي ستنطلق فعالياتها في الأسبوع المقبل في مؤتمر ضخم بالعاصمة البريطانية لندن. سيكون المؤتمر عبارة عن خلطة تجمع ما بين الإجتماعات الرسمية وفعاليات على هامش تلك الإجتماعات وموسيقى ومسرح تهدف في مجملها لرفع الوعي بالإستخدام المتنامي للعنف الجنسي في مناطق النزاعا ومن ثمة الإتفاق على إجراءآت سياسية من أجل وقفه. وسأستضيف بهذه المناسبة فعالية في الخرطوم لتعزيز هذه الحملة على المستوى المحلي.
بمبادرة من الحكومة البريطانية صادقت نحو مئة وخمسون دولة على إعلان تتعهد فيه بمناهضة العنف الجنسي في مناطق النزاعات وكذلك تقديم الدعم للخطوات التي يمكن أن تؤدي إلى إنهائه وستُشارك هذه الدول في فعاليات هذا المؤتمر. أبلغنا العديد من الوزراء أن السودان ليس لديه إعتراض، من حيث المبدأ، على الإعلان وهو بلاشك مرتبط بما يحدث هنا، ولكنهم لم يوقعوا عليه بعد وإذا لم يُسارعوا بالتوقيع فلن يتمكنوا من حضور المؤتمر على الرغم من أن العديد من المنظمات غير الحكومية السودانية ستكون حاضرة وهذا بالطبع ستكون مفارقة حزينة لأن زيارة وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ لدافور في عام 2006 (عندما كان في المعارضة) هي التي أشعلت فتيل الإهتمام بهذا الموضوع. ولهذا فإنني آمل من كل قلبي أن يوقع السودان ويلتزم بالمساعدة من أجل إنهاء هذه الممارسات وهذا في الواقع سيكون بشرى سارة من شأنها إضاءة العتمة التي تكتنف هذا الطريق.