“سُئلت في مناسبات عديدة عن موقف المملكة المتحدة فيما يتعلق بالحوار الوطني، ودائماً ما يأتي الرد في عمومه بالإيجاب ولكن هذا عندما يكون الحوار حقيقياً وشاملاً وجامعاً. وقد خرجت بهذا الإنطباع من خلال جولاتي الأخيرة في كل من الجنينة ودنقلا حيث تبين لي أن هذا يمثل رأي العديد منهم.”
وهذا هو السبب في الترحيب الذي لقيته دعوة الرئيس للحوار. هناك إنتقادات تفيد بإلتباس ذلك المفهوم وعدم وضوحه، بيد أن الحكومة تقول أنه أمر مقصود في هذه المرحلة وذلك لتجنب إغلاق الطريق أمام الخيارات الأخرى. عموماً كان الرئيس واضحاً ومركزاً على أمرين مهمين إذ أنه:
– وضع أجندة طموحة يبدو أنها ستُعالج التحديات التي يواجهها السودان ألا وهي السلام والفقر والإصلاح السياسي والهوية.
– أوضح الرئيس ضرورة مشاركة أطياف متنوعة لا تنحصر فقط في الأحزاب السياسية ليشمل ذلك المجتمع المدني والجماعات المسلحة شريطة نبذ العنف.
لقد أثار خطاب الرئيس جدلاً واسعاً، إذ أن البعض غير مقتنع بجديتة بيد أن بعض الأحزاب السياسية يبدو أنها تشارك في الحوار بجدية تامة لتبلور رداً واضحاً. لقد أذهلني- خلال زيارة قمت بها قريباً خارج الخرطوم- الإهتمام الكبير الذي أبدته مجموعات المجتمع المدني لمعرفة المزيد عن الحوار القومي وخصوصاً الكيفية التي يمكنها المشاركة بها. ولعل هذا الأمر يُعضد أمرين مهمين فيما يتعلق بالحوار أولهما أن يكون شفافاً وأن يكون شاملاً يسع الجميع وهو ما لم نره بعد. فحتى الآن هناك نقاشات كثيرة وإعداد أوراق، ولكن كل هذا نقاش عن التفاوض ولم تُتخذ خطوات عملية بعد. هناك قضايا عاجلة ينبغي معالجتها ومنها الوضع الإقتصادي الذي يتعرض لضغوط متواصلة بالإضافة إلى الصراع في دارفور والذي تصاعدت حدته من جديد تصاعداً مريعاً الأمر الذي أدى إلى نزوح ما يقرب من مئتي الف شخص خلال الشهر الماضي.
أضف إلى ذلك أن الخطوات التي إتُخذت على الصعيد السياسي لا تتوافق مع دعوة الرئيس للحوار، فقد أوقفت السلطات الفعاليات التي أقامتها بعض المنظمات غير الحكومية وفُضت المظاهرات الطلابية الأمر الذي أدى إلى مقتل أحد الطلاب هذا إلى جانب مصادرة أحدى عشرة صحيفة، وبالتالي يصعب تخيل إمكانية إزدهار تصور الرئيس للحوار في مثل هذا المناخ السياسي بالإضافة إلى أن مثل هذه الأعمال تُعد إنتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في دستور السودان.
ومن هنا يمكن القول أن أفضل ما يُبرز جدية رغبة الحكومة في إجراء الحوار القومي هو إتخاذ إجراءآت ملموسة لإطلاق حرية التعبير وحرية التجمع وبذل جهود جادة لإنهاء صراعات السودان الداخلية، وقد أبلغني العديد من كبار المسؤولين في الحكومة بأن هذا سوف يحدث ولهذا أظن أنه قد آن الآوان للوفاء بهذا العهد.
سألني البعض عما يمكن للملكة المتحدة أن تفعله لدعم الحوار الوطني وكان جزء من إجابتي هو أن نعكس السؤال ونقول: ماذا يُريد السودانيون من المملكة المتحدة أن تفعل؟ خاصة وأنهم يقولون أنهم يُريدون حواراً يقوده السودانيون أنفسهم ويمتلكون ناصيته، ونحن نحترم ذلك. في واقع الأمر المملكة مازالت تُلقي بثقلها في السودان فهي تقدم الدعم المالي واللوجستي وتوفير الخبراء لدعم عمليات السلام بالإضافة إلى الدعم السياسي والإنساني والتنموي للسلام في دارفور أضف إلى ذلك بناء قدرات الإعلاميين والمجتمع المدني وغير ذلك.
نحن على إستعداد لدعم الحوار وبالطريقة التي يرى المشاركون فيه أنها مفيدة سواء كان ذلك بالخبرات أو الوساطة أو بالدعم الدبلوماسي والسياسي، أو فقط بفعل ما أقوم به أنا الآن وهو توضيح رسالتنا بأننا ندعم مفهوم الحوار الوطني الشامل والجامع. ونشجع كل من لديه شئ يمكن أن يُسهم به أن يُشارك إذ أن الحلول السياسية وحدها هي التي ستُعالج القضايا التي تواجه السودان علاجاً شافياً – هذا فيما يتعلق بالحكومة والمعارضة المسلحة- فالحوار الوطني يحتاج إلى بيئة سياسية صالحة لو أردنا له الأزدهار والنماء. فالحوار الناجح الذي تأتي حلوله من الأطراف السودانية ويشعر السودانيون أنهم طرف فيه لا محالة سيُغير وجه السودان. وسيُغير ذلك أيضاً علاقاته بالمجتمع الدولي، وعلى العكس من ذلك، لو فشل الحوار في بلوغ سقف التوقعات التي شجعها الرئيس بنفسه فإن ذلك سيكون محبطاً للغاية وسيُفاقم بالتالي من حجم التحديات التي تواجه السودان. لكل هذه الأسباب فإننا نأمل في نجاح الحوار الجامع والشفاف.