Site icon Foreign, Commonwealth & Development Office Blogs

أسفار في الشمال

 

 

أمضيت معظم أيام الأسبوع الماضي مسافراً في الزمان والمكان بالولايتين الشمالية ونهر النيل حيث زرت بعض المواقع الأثرية. كما حُظيت بإستقبال حار من ولاة الولايتين والتقيت بالعديد من الشخصيات في كل من دنقلا والدامر، وزرت مشاريع إستثمارية مُثيرة للإعجاب. دار نقاش مستفيض حول الحوار الوطني على الرغم من أن الأخبار التي ترد من الخرطوم تُشير إلى ضرورة الإنتظار لنرى تخلق نوع من البيئة السياسية لإنجاح هذا المسعى. 

 

الماضي:

لقد أمضيت يوماً مع الدكتور نيال سبنسر، من المتحف البريطاني، والفريق العامل معه وذلك في زيارتي للمواقع الأثرية المصرية القديمة بمنطقتي العمارة الغربية وساي على الجزر المقابلة لمدينة عبري. السيد سبنسر وفريق عمله غمروني بكرمهم الحاتمي في دارهم  المُقامة في موقع حفرياتهم حيث تُخيم شركتهم التي تعج بالخبراء الرائعين. والعمارة نفسها عبارة عن مجمع من المعابد الجميلة والغرف الإدارية والسكنية بالإضافة إلى المقبرة. يبدو جلياً أن سكانها لم يعمروا فيها سوى بضعة أجيال قبل أن تتعرض القناة النيلية للجفاف الأمر الذي جعلها أرضاً غير صالحة للسكن وهذا في واقع الأمر درس لنا جميعاً يعلمنا كيف يمكن للتغيرات البيئية أن تؤثر على حياتنا. للمزيد من المعلومات عن العمارة الغربية يمكنك الضغط هنا

ظلت الآثار تُثير إهتمامي بشدة وذلك لأنها تعكس شكل التعاون المذهل بين السودان والمجتمع الدولي، ففرق الحفر تضم العديد من الجنسيات بما في ذلك بطبيعة الحال علماء الآثار السودانيين من الهيئة القومية للآثار والمتاحف التي تُحظى بدعم سخي، متواصل منذ عدة سنوات، من الإستثمار القطري في الآثار السودانية. كما أن الإحترام الواضح ومستوى التعاون بين أعضاء الفريق والعلاقات الدافئة بينهم وبين المجتمعات المحلية مثير للإعجاب حقاً

إمتدت زيارتي أيضاً إلى منطقة كرمة في الطريق للعمارة وقبل عدة أسابيع كنت قد رافقت عالم آثار بريطاني آخر في جولة تعرفت خلالها على مدينة مروي. من الواضح أن هناك العديد من المواقع الساحرة في السودان ولكن لم يزرها إلا القليل من السودانيين، وهو الأمر الذي دفع السلطات السودانية للوقوف على إمكانياتها السياحية بيد أنها لم تقم بما يلزم لتسهيلها (يمكن أن تبدأ بالعلامات المُرشدة وهي بداية سهلة ولكنها مفيدة للغاية). إن التعرف على ماضي السودان التليد حتماً سيُساعد في بناء هوية مشتركة ومتعددة وهذه بطبيعة الحال أمر مهم جداً من أجل سودان مسالم وناجح في المستقبل. 

سنحت لي الفرصة، في الماضي القريب، للقيام بزيارة سريعة لهيئة السكك الحديدية بمدينة عطبرة وقد صحبنى في الجولة أناس متحمسون للسكة الحديد والتي هي جزء من التاريخ البريطاني أيضاً، فقد شيد البريطانيون خطوط السكة الحديد هنا. وقد كان معظم المواد التي ضمها المتحف قد صُنعت في المملكة المتحدة. ومن الجيد أن نرى أن السكة الحديد قد بدأت تستفيد مرة أخرى من الإستثمارات بعد فترة طويلة من الإهمال. 

الحاضر

لقد أمضيت ثلاثة أيام في كل من دنقلا والدامر وعطبرة حيث إلتقيت بالواليين ورجال الأعمال والمجتمع المدني وأحزاب المعارضة والكنيسة والجامعة وغير ذلك وقد قابلني الجميع في هذه الأماكن بترحاب بالغ. لقد نالت الولاية الشمالية وولاية نهر النيل حظهما من الإستثمار في البنية التحتية (مروي والطرق) ومن ثمة فقد كانت الفوائد ظاهرة للعيان، أقلها توصيل المنتجات الزراعية للأسواق ولكن مع ذلك لاتزال الولايتان تواجهان تحديات كبيرة تتمثل في قلة السكان مع وجود مساحة شاسعة من الأرض وقلة الموارد التي يمكن إستخدامها لتوفير الخدمات الصحية والتعليمية بالإضافة إلى إغراء الخرطوم القريبة منهما. من الواضح أن الولايتين تريان أن الحل يكمن في المزيد من الإستثمار الأجنبي وقد ألح علي الكثيرون من أجل إستقطاب الإستثمارات من المملكة المتحدة وذلك نسبة لما لنا من تأريخ هنا. ولكن من المعلوم أن هذه قرارات تجارية وليست سياسية عبئها يقع على عاتق السودان لخلق وترقية فرص الإستثمار الجاذب. 

زيارة مشروع زُبارة الزراعي

المستقبل

هناك إستثمارات إجنبية حالياً في البلاد. وهناك مقولة تقول أن السودان يمكن أن يكون سلة غذاء الخليج، بيد أنه وبعد زيارتي لمشروع زراعي قطري ضخم، تبينت لي صحة تلكم المقولة. وذلك لأن السودان يملك المدخلات الأساسية المهمة (الأرض والمياه والشمس)  وإقتصاديات الإستثمار تبدو جاذبة جداً. ويقول القرويون الذين يسكنون على مقربة من المشروع أن المشروع قد وفر لهم فرصاً للعمل وطرقاً أفضل ومدرسة جديدة. 

وإذا كان هذا هو مستقبل السودان الإقتصادي، فإن الحوار الوطني قد يؤدي إلى مستقبل سياسي شبيه وقد كان هذا هو مثار إهتمام الكثير من الناس الذي إنصب عليه حديثهم حيث لاحظت ذلك أثناء زيارتي. ولكن خلال هذه الزيارة وردت إلي أنباء إلغاء إحتفال بيوم المرأة العالمي ومصادرة الصحف وفض تظاهرات طلابية. ولهذا فإنه من الصعب أن نرى الكيفية التي يمكن للحوار الوطني تحقيق الأهداف الطموحة الموضوعة له على هذه الخلفية القامعة.

Exit mobile version