Site icon Foreign, Commonwealth & Development Office Blogs

ما أهمية الثقافة

لقد عدت الأسبوع الماضي من إجازة عيد طويلة. أمضيت اليوم الأول من العيد في الخرطوم أشارك السودانيين ثقافتهم التي يمارسونها في نهاية شهر رمضان المعظم. بعد ذلك غادرنا لنُمضي أسبوعين في أروبا حيث أتيحت لي الفرصة لأنغمس مرة أخرى في ثقافتي الخاصة إن أن الثقافات أمر مهم للغاية. إنها الجزء الجوهري لبقائنا كأفراد ومجتمعات. إن أمر فهم قيم ثقافة الآخر، مثلما نفهم ونقدر الثقافة الخاصة بنا، ليس دائماً بالأمر السهل ولكنه يمثل قلب التعايش السلمي.

وفي أروبا إتيحت لي فرص الإستمتاع بنوعين من أنواع الثقافة:

أولها كانت زيارتي لمتحف نيوس في برلين لمشاهدة المجموعة السودانية. مبنى المتحف نفسه أعيد بناؤه بطريقة جميلة بواسطة المهندس المعماري البريطاني ديفيد شيبرفيلد الذي حافط على ما تبقى من المبني القديم الذي تعرض لتلف كبير أثناء الحرب العالمية الثانية وقد أعاد بناء الجزء المتبقي بطريقة مترابطة وبسيطة وعملية. إنه أمر فعال جداً.

 

في الداخل تجد المجموعات الفنية السودانية والمصرية الرائعة. تشمل المجموعة السودانية سلسلة من الأواني الفخارية الجميلة والمنمقة فنياً والتي يعود بعضها الى الحضارة المصرية في حقبة ما قبل التأريخ. وتشمل المجموعة أيضاً بعض الحُلي الذهبية المأخوذة من أهرامات مروي. إن كان هناك شخص يود تذكر تأريخ السودان الناصع وإنجازاته الباهرة فإن هذا هو المكان المناسب للإنطلاق. لم أكن مندهشاً عندما علمت من القيم على أمر المعرض الذي عرفنا على المجموعة أن معظم كبار الزوار من السودان الذين يزورون برلين يضعون متحف نيوس في قائمة الأماكن التي “يجب زيارتها”. يخطط المجلس البريطاني لإقامة إحتفال كبير العام المقبل للإحتفاء بالإرث الثقافي السوداني.

الأمر الآخر هو أنني قضيت أسبوعاً في مدينة بيريوس لحضور سلسلة من عروض الأوبرا، تُسمى دائرة نيبلونجين، كتبها ريتشارد واغنر في القرن التاسع عشر. تُعد الأوبرا جزءً من التقاليد الكلاسيكية الغربية وهي بالنسبة لي فن غني وراقي يستطيع توصيل الحقائق الإنسانية العالمية من خلال قوة الموسيقى والدراما.كتب واغنر، بالإضافة الى “الدائرة”، نوعاً جديداً من أنواع الأوبرا تسير على نسق الدراما الإغريقية القديمة مع وجود توازن ما بين الكلمة واللحن الموسيقى. كما أنه بنى مسرحاً خصصه لأداء أعمال الأوبرا الخاصة به وهو المكان الذي تُقام فيه الإحتفالات. الموسيقى أيضاً ساحرة جداً. إعاد واغنر إنتاج القصة مرة أخرى وهي من المثلوجيا الألمانية ولهذا يوجد بها الكثير من سفاسف الأمور المتعلقة بالسحر والتنينات وما شابه ذلك، بيد أن الموضوعات الرئيسية تظل حية ووثيقة الصلة. إنها تتحدث عن السلطة وشرعية الحكام  والمطلوب من هذه السلطة لتحترم القوانين والمؤسسات التي تحكم بها وكذلك التأثير الفاسد للطموح والجشع.

وتنتهي قصة الدائرة عند مياه نهر الراين التي تفيض لتغرق العالم وتغضي على الحياة لتبدأ من جديد. أحسب أن هذا الأمر على وجه الخصوص فيه مصادفة غريبة، إذ أن الخرطوم وأجزاء أخرى من السودان قد ضربتها الفيضانات التي تسببت في الكثير من الخسائر. أود هنا أن أعبر عن عميق تعاطفي مع أقارب الضحايا (عددهم قليل ولله الحمد) وكل أولئك الذين تعرضوا لخسائر مادية ومنهم عدد من موظفي هذه السفارة. لقد أثارة إعجابي الى أقصى حد إستجابة المواطن السوداني العادي للخسائر والمعاناة التي سببتها الفيضانات. لقد تجمعوا جميعاً ونظموا صفوفهم لمساعدة بعضهم البعض، وهذا أيضاً نوع من أنواع الثقافة: وأعني النفير التقليدي وهو شيء من صنع الإنسان وقد سبق ورأيت ذلك في برلين، وهو بطبيعة الحال أقوى من كل أنواع الأوبرا. إنني أحي جهود المواطنين السودانين العاديين الذين ساعدوا بعضهم البعض في وقت الحاجة.

Exit mobile version