تناولتُ القهوة مؤخراً في ميدان الجزائر بوسط طرابلس. كنتُ مارّاً بالجوار فتمت دعوتي للجلوس مع مجموعة من الرجال الذين تكرموا باستضافتي على فنجانِ قهوةٍ محلية. كان ذلك فرصة للهروب من حَرّ الشمس و للاستماع إلى أفكارهم.
يوم السبت زرتُ بنغازي. لكن هنا، قررتُ أن أتناول الشاي. مرةً أخرى، كانت تلك مناسَبةً للاستماع و التعلم.
لا يمكنك فهم بلدٍ ما بدون أن تلتقي بأهلها و تكتشف ما يدور بأذهانهم. أمورٌ متشابهة ساورت الاشخاص الذين تحدثت معهم في كل من طرابلس و بنغازي. رقم واحد كان هاجس الأمن. في كلا المدينتين، الوضع الآن أهدأ و أقل توتراً. لكنه هش. كان من التقيتهم محقين في التعبير عن مخاوفهم من عودة العنف سواء من الإرهابيين أو المجرمين أو الميليشيات.
الوضع الاقتصادي يأتي كذلك في أولوية اهتمامات الناس. فمِنَ المحزن حقاً مشاهدة الناس يقفون في طوابير طويلة أمام المصارف و هم ينتظرون بصبر و بكرامة كبيرة في محاولة للحصول على بعض النقود. من جهة أخرى، فإنّ سعر الصرف في السوق السوداء و معدل إرتفاع الأسعار يجعلان تكاليف المعيشة أمراً في غاية الصعوبة و بشكل متزايد. انقطاع الكهرباء لساعات طويلة يجعل الحياة في عدة أجزاء من البلاد مسألةً شاقة.
الحياة صعبة لمعظم الليبيين. لكن ما يريدونه لا يختلف عن ما يريده الناس في أي دولة: أن يتمكنوا من العيش بسلام و توفير لقمة العيش لذويهم و تعليم أطفالهم و أن يكونوا مطمئـنين بأنهم سوف يتلقون العناية اللازمة عندما يمرضون. طموحاتهم و رغباتهم و مطالبهم هي ذاتها التي يشعر بها أي شخص في أي مقهى في لندن.
كان المتوقع من ثورة 17 فبراير أن تجلب نوعاً من الحياة الطبيعية الجديدة في ليبيا. فقد تم تقديمُ تضحياتٍ جمة من أجل بناءِ حياةٍ أفضل.
هذا الأمر أكّـده لي و بطريقةٍ دراماتيكية، رجلٌ التقيته في مطار تونس عندما أخبرني بأنه خسر اثنين من أبنائه خلال الثورة ما آدى إلى وفاة زوجته كمداً عليهما، ليلحقها بعد ذلك أخوه الذي قـُـتِلَ على أيدي داعش. طلب مني هذا الرجل أن أقف إلى جانب ليبيا.
طبعاً نحنُ نقف إلى جانب ليبيا. في عام 2011 ساعدنا في حماية المواطنين و نحن الآن نريد المساعدة في جلب السلام و الأمن للشعب الليبي.
طلبات تقديم المساعدة كانت جزءًا من أحاديثنا في كل من طرابلس و بنغازي. جميع من التقيتهم يعتقدون أن من واجبنا تقديم المساعدة و أنه بإمكاننا فعل المزيد.
غير أنّ ذلك يمثلُّ تحدياً صعباً. فالناس يطالبون المجتمع الدولي بالدعم و لكنهم محقين في رفض التدخل في شؤونهم. طبعاً: مستقبل ليبيا يقرره الليبيون. لكن ثمة خيط رفيع بين التواصل و التعاون و بين التدخل.
دور المجتمع الدولي واضح. التعاون يعني تسهيل التواصل بين الليبيين و تشجيع الوفاق و من ثـمّ المساعدة في تطبيقهما من خلال تصميم و تنفيذ برامج للمساهمة في تحسين حياة الليبيين.
لقد قمنا بشكل مسبق بتقديم الدعم. على سبيل المثال، قمنا بتمويل صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا الذي مكـّـن حكومة الوفاق الوطني أن تقدم سيارات إسعاف و عربات إطفاء و لوحات طاقة شمسية و غيرها من الدعم الملموس إلى كل من أوباري و بنغازي و ككلة و سرت. سوف يستمر هذا العمل للمساعدة في إعادة إعمار المناطق المدمرة.
نفس الدعم يتم تقديمه على الصعيد السياسي: سوف ندعم المبعوث الأممي الجديد، غسان سلامة، في مساعيه الرامية إلى تعديل و تطبيق الاتفاق السياسي الليبي. و هو أيضاً سوف يرغب بالاستماع إلى آراء الليبيين و تفهم الطرق المثلى لتوفير احتياجات الشعب الليبي.
طرابلس و بنغازي هما المدينتان الكبيرتان. لقد زرت أيضاً مصراتة و طبرق. لكنني أريد أن أذهب أبعد و أن أقابل رجال و نساء في جميع أنحاء ليبيا للاستماع لآرائهم. قائمة المشروبات مازالت حُبلى بالمزيد من القهوة و الشاي.