الأسبوع الماضي، أتيحت لي الفرصة لزيارة القيروان، المدينة التونسية التي كانت موضع دراسات إسلامية لمئات السنين. تحدثنا مع بعض علماء الدين عن التسامح و التعايش المشترك، وهي القيم التي ما فـتـئت المدينة و جامعتها تدعوان لها على مدى أجيال.
المدينة بناها عقبة بن نافع في عام 670 م. تم اختيار الموقع لأنه كان يتوسط منطقة سهول، بعيداً عن خطر الهجوم من البحر و عن القبائل التونسية المعادية في الجبال.
في القرن الثامن، خلال حكم سلالة الأغالبة، أشتهرت المدينة بثرائها و ازدهارها. حيث بنوا فيها الجامع الكبير و أسواق تجارية و شبكة معقدة لتخزين و نقل المياه. أصبحت المدينة عاصمة ولاية أفريقية و التي اشتقت اسمها من قارة أفريقيا.
الجامع الكبير هو أكثر المباني جمالاً في المدينة و يزدان بـ 414 عموداً من الرخام و الغرانيت، الكثير منها كانت بقايا لآثار رومانية. في مرحلة ما كان القيامُ بـِـعـَـدِّ الأعمدة ممنوعاً مخافة أن يسبب العمى.
مؤسسوا الجامع قاموا كذلك بتأسيس جامعة جذبت إليها طلاب علوم مسلمين لدراسة القرآن. لكثير من المسلمين، كانت المدينة و جامعها يعتبران رابع المواقع المقدسة في الإسلام. كما لعبت المدينة دوراً في تحديد تاريخ و هوية الأمة التونسية.
أتيحت لنا فرصة التجول في المدينة – بالرغم من حرارة شمس الظهيرة – حيث قمنا بزيارة جامع الأبواب الثلاثة و جامع الحلاق. الشوارع المتعرجة، بمداخلها المزخرفة و ساحاتها الرطبة فاحت بعبق التاريخ و بثـقةٍ هادئة بالنفس.
جلسنا مع إمام الجامع الكبير و رؤساء مركز الدراسات الإسلامية. الذين بالإضافة إلى تقديم المقروض اللذيذ (بسكويت يتكون من سميد و تمر مغمور بالعسل)، كان لنا معهم نقاش شيـّـق حول التطرف.
وصفوا لنا دور القيروان في نشر الإسلام في شمال افريقيا و دورها في نشر قيم التسامح و التعايش. عبروا عن آسفهم لانخراط مواطنين من تونس في الإرهاب و التطرف – بما في ذلك في ليبيا – و ركزا على ضرورة تحسين التعليم، تعليم قيم الإسلام و توفير الفرص الاقتصادية.
فيما يخص التعليم، تم التأكيد على ضرورة تشجيع التفكير النقدي كويسلة لتجنب المفاهيم الجامدة و ضرورة احترام آراء الأخرين. كانوا قلقين، أنه في ظل غياب تعليم فعال للقيم الإسلامية، فإنّ الشباب سوف يتجهون للأفكار متطرفة التي لا تمت بصلة لتعاليم الدين الحقيقية.
شدّني قـُربُ هذا النقاش من الوضع الحالي في المملكة المتحدة، فالهجمات الإرهابية في ويستمنستر و مانشستر و جسر لندن و حديقة فينسبري؛ وضعت مواجهة التطرف في مقدمة الأولويات. رئيسة الوزراء تيريزا ماي قالت بأنه قد كان هناك تسامح مع التطرف: يكفي عند هذا الحد.
يشكل المسلمون ما يقرب من 5% من سكان بريطانيا و الكثير من المدن و القرى لديها جاليات مسلمة. كما هو حال بقية السكان – هم كذلك يريدون المضي قدما في حياتهم، بأن يعلموا أبنائهم و أن يتمكنوا من العيش بسلام. لكن هناك أقلية ضئيلة جداً تبنت التطرف و سافر البعض من أفرادها للقتال مع جماعات إرهابية في سوريا و العراق.
مبادئ التسامح و التعايش التي تعلمناها في القيروان يمكن أن تكون تجربة مفيدة لبريطانيا، بيمنا نتعلم حول قيمنا المشتركة، و العيش كمجموعات موحدة و بينما نسعى للقضاء على التهديد الذي يشكله التطرف ضد أمننا و رخائنا.
لقد تأثرت بشكل عميق بالقيروان. هناك الكثير مما يمكننا تعلمه من بعضنا لمنع انتشار التطرف و للقضاء على الإرهاب. يمكننا البناء على قيمنا المشتركة من التسامح و التعايش، لمواجهة من ينشرون الإنقسام و الكراهية.