توجهت بريطانيا في الأسبوع الماضي إلى صناديق الاقتراع. أكثر من 32 مليون شخص صوتوا لـ 3,304 مرشح من أجل الحصول على 650 مقعداً في مجلس العموم البريطاني، وهذه أكبر نسبة مشاركة من الانتخابات السابقة. 68.7% من الناخبين المسجلين توجهوا إلى صناديق الاقتراع، من ضمنهم 72% من الشباب، وهي زيادة عن نسبة الشباب الذين سجلوا (40%) في الانتخابات الماضية.
هكذا يكون السبيل الذي يمارس بها البريطانيون الديمقراطية. في الأشهر الماضية أجرت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وإيران ومالطا انتخاباتها. ألمانيا ستجري انتخاباتها لاحقاً هذه السنة. في بعض الدول ومنهم بريطانيا تُجرى الانتخابات بناء على أحزاب سياسية تملُك برامج اقتصادية أو اجتماعية أو أيدولوجية. في دول أخرى تبنى الأحزاب بناء على بعض أفرادها.
منذ أكثر من 2,500 سنة، كانت أثينا مهداً للديمقراطية. فكلمة ديمقراطية تعني بالإغريقية “حكم الشعب”. مبدئها الأساسي كان أن كل شخص مؤهل، يملك صوتاً في الطريقة التي يُحكمون بها. تطوّر هذا المبدأ على مر السنين، وانتشر حول العالم ليكون الطريقة الأساسية في التعبير عن رغبات الشعوب.
الديمقراطية تتطلب المُشاركة، أكبر شريحة من الناس يجب أن يضعوا خيارتهم في الصناديق. في حال لم تُصوت فلا حق لك في انتقاد حكومتك. في بريطانيا، لسنوات عديدة كان التصويت حكراً على الرجال فقط. لأكثر من 100 سنة خاضت ناشطات حقوق المرأة معارك كبيرة، أدت إلى تأمين حق التصويت للمرأة، بدايةً كانت لمن كنّ اعمراهنّ اكتر من 30 سنة في 1918 ثم لمن هنّ أكبر من 21 في 1928.
مبدأ مهم وأساسي آخر هو المساءلة. على السياسيون أن يعو بأنهم يجب أن يستجيبوا لمن صوّت لهم. عليهم عرض برامجهم السياسية ومناقشتها علناً ليتمكن الشعب من الاختيار. دائماً ما كانت هنالك قضايا كبيرة وفيها تكون أفكار ووجهات نظر الأحزاب السياسية مختلفة، مثل فرص العمل والضرائب والتعليم والصحة. وفي حال عدم رضى الناخبين عن الحكومة، لديهم الفرصة لطردها كل 4 أو 5 سنوات.
الانتخابات بالطبع مُعرضة للفساد والتزوير والإساءة. وفقا لما ذكره ستالين ” الناس الذين يُدلون بأصواتهم في الصندوق لا يقررون أي شيء. من يعُد هذه الأصوات هو من يملك القرار”. في كوريا الشمالية، انتخابات المجلس الأعلى للشعب تتمتع بنسبة مشاركة عالية تصل الى 100%، وكل هذه الأصوات تعطى لحزب واحد. في حال عدم إعطاء الشعب صوت حقيقي، أو في حال كانوا تحت التهديد أو العنف، فإن الديمقراطية الحقيقة لن تتمكن من التطور.
ليبيا انتخبت مرتين منذ اندلاع الثورة. انتخابات المؤتمر الوطني العام في يوليو 2012، كانت أول انتخابات حقيقية منذ 1965. بينما عانت انتخابات مجلس النواب في يونيو 2014 من نسبة مشاركة ضعيفة وحالات من العنف.
يدور الحديث الأن عن انتخابات جديدة في 2018. بالتأكيد هنالك المجال لانتخابات جديدة، فترة ولاية مجلس النواب انتهت في أكتوبر 2015 رغم قيامهم بتمديد ولايتهم بأنفسهم. ولكن هنالك خطوات هامة يجب اتخادها قبل اجراء أي انتخابات.
توجد متطلبات تقنية لتسيير انتخابات مُنظمة في كامل البلاد. هذه يعني توفر الأمن وسيادة القانون والتي ستؤمن للمرشحين قيامهم بحملاتهم الانتخابية بدون أي خوف وستمكّن الناخبين بالأدلاء بأصواتهم بحرية بدون تهديدات المصالح الخاصة.
الانتخابات الجديدة يجب أن تنبع من المصالحة الوطنية والوحدة. على الليبيين أن يعملوا معاً من أجل التركيز على المصلحة العُليا للبلاد، بدلاً من دعم مصالح ضيقة أو جهوية. المصالحة الوطنية مهمة وستُمكن الليبيين من قبول نتائج هذه الانتخابات.
هنالك أيضا مسألة الشرعية الدستورية لهذه الانتخابات. هل سيكون الدستور الجديد جاهزاً؟ هل سيتم تعديل الاتفاق السياسي الليبي ليكون مرحلة انتقالية؟
على الانتخابات أن تكون جزء من مستقبل ليبيا، لضمان مبدأ التمثيل السياسي والمساءلة. في النهاية تطور الديمقراطية في ليبيا هو شأن ليبي مبنى على تاريخ وتفافة وعادات ليبيا، وهو أمر متروك لليبيين بأن يجتمعوا ويقرروه.