يصادف اليوم الذكرى الأولى لتوقيع الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات ، المغربية. لا زلت أذكر الفرحة و التوقّعات الكبيرة التي عـمّـت تلك اللحظة. حيث كان الشعور السائد هو أن الانقسام و الاستقطاب الذين انتشرا في ليبيا عقب الثورة ، قد انتهيا. و بأنّ الوقتَ قد حان الآن لبناء ليبيا و استعادة الحياة الكريمة لمواطنيها.
لسوء الحظ ، لم يحدث أيٌّ من هذا. فقد كان التقدم بطيئاً. كما أنّ التواريخ المحددة لم يتم الالتزام بها ، كضرورة انسحاب الميليشيات من جميع المدن و المناطق السكنية في مدة لا تتجازو 30 يوماً من توقيع وقف إطلاق النار ، و منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني من قِـبل مجلس النواب في مدة أقصاها 10 أيام.
أنا أشاطرُ مشاعرَ الإحباطِ التي عادةً ما أسمعها خلال زياراتي إلى ليبيا. إنّ المشاكلَ التي يواجهها الليبيون في حياتهم اليومية كبيرة جداً: نقص السيولة ، الكهرباء ، إنقطاع المياه ، تنامي الجريمة و حالات الاختطاف. فـبعد 42 سنة من الدكتاتورية و 5 سنوات من الفوضى و الحرب الأهلية ، الشعب الليبي يسـتـحق الأفـضـل.
ما الذي يمكن عمله ؟ هناك بعض الأخبار السعيدة: هزيمة داعش في سرت ، التقدم الكبير ضد الجماعات المتطرفة في بنغازي ، زيادة انتاج النفط من الهلال النفطي و من حقلي الشرارة و الفيل. مع ذلك ، لا يمكن الإنكار بأن البلاد تواجهُ تحدياتٍ هائلة: إنهيار الاقتصاد ، هجمات إرهابية و انقسام سياسي.
أحياناً أسمعُ طلباتٍ بأن يقوم المجتمع الدولي بإنقاذ البلاد. لكن المصالحة الوطنية يمكن أن تتحقق فقط بين الليبيين أنفسهم. يمكن للمجتمع الدولي أن يسهّـل انعقاد عملية الحوار ، أن يشجع الأطراف على التوافق و أن يقوم بتصميم و تنفيذ برامج الدعم. لكنّ القراراتِ المهمة يجب أن يصنعها الليبيون أنفسهم.
بلا شك ، سوف يزعم البعضُ اليوم بأنّ اتفاقية الصخيرات قد فشلت. البعض قد يزعم كذلك بأن صلاحيتها قد انتهت بعد مرور عامٍ على توقيعها. لكنّ ذلك ليس صحيحاً. فوفـقاً لنصّ الاتفاق السياسي الليبي ، فإن حكومة الوفاق الوطني – و ليس الاتفاقية – هي من لديها حياة مدتها سنة واحدة ، و التي تبدأ من تاريخ التصويت بمنح الثقة ، و هو ما يعني بأنّ عقارب الساعة لم تبدأ في الدوران بعد فيما يخص حكومة الوفاق.
لقد أدرك مجلس الأمن الدولي هذه النقطة ، حيث أصدرت الدول الـ 15 بياناً مشتركاً بتاريخ 7 ديسمبر مؤكدين فيه دعمهم الكامل للاتفاق السياسي الليبي ، و دعوا جميع الأطراف للإسراع في تنفيذه.
كما عبروا في البيان عن قلقهم العميق بخصوص الاستقطاب السياسي الحاد و التصعيد الأخير في أعمال العنف بين المجموعات المسلحة ، و قاموا كذلك بِحثِّ الشركاء الليبيين على العمل مع المجلس الرئاسي لحلّ المسائل العالقة و تركيز الجهود الليبية على بناء البلاد.
ركّزَ أعضاءُ مجلسِ الأمن بشكلٍ صريح على احتياجات المواطنين ، و جدّدوا تصميمهم على دعم تنفيذ الاتفاقية لرفع المعاناة عن الشعب الليبي.
هل ثمةَّ بديل؟ لا أعتقد ذلك. طبعاً بإمكان أي مجموعة أخرى من الليبيين أن تبدأ مفاوضاتٍ جديدة ، لكن من المستبعد جداً بأن يتمكنوا من التوصل سريعاً إلى اتفاقية مختلفة تحظى بإجماعٍ واسعٍ و تطبيقٍ سريع. بل من الأفضل بكثير لو يتم التركيز على الاتفاق السياسي الليبي. فحسب علمي ، الاتفاقية ليست نصاً مقدساً و هناك مجالٌ لمراجعتها إذا اتفق الليبيون على الذهاب في هذا الاتجاه.
من الجدير تذكره ، أنّ هذه الاتفاقية هي مجردُ خطوةٍ مؤقتة و قصيرةِ الأجل. بينما يحتاج مستقبل ليبيا على المدى الطويل إلى دستورٍ جديد. هذه الخطوة تعتمد على هئية صياغة الدستور ، الجسم المنتخب الذي يمثل جميع أنحاء البلاد.
في انتضار المسودة النهائية للدستور الجديد ، تحتاج ليبيا إلى حكومة لكي تقوم بتوحيد البلاد. فالوحدة الوطنية هي أقوى سلاح للتغلب على التحديات التي تواجهها البلاد. تفاصيل الاتفاقية مهمة ، و لكنها ليست محورية. فليس هناك أي اتفاقية في الوجود تحضى بتأييد الجميع. فدعونا لا نجعل من السعي نحو الكمال عدواً للتقدم الجيد الذي تم إحرازه.
الليبيون الذين التقيت بهم في طرابلس ، مصراتة و طبرق يريدون السلام ، الاستقرار و الازدهار. هذا ما نريده نحن أيضاً. و بمناسبة هذه الذكرى ، أتمنى أنْ يُضَاعِفَ جميعُ الليبيون جهودَهم لتحقيقِ هذا الهدف.