من الصعب أن تتفهّم بلداً ما بدون زيارته. حتى لو قابلت العديد من مواطنيه ، وقرأت الكثير من الكتب ، فلا بديل عن ضرورة زيارته ورؤيته بعينيك ، ومقابلة سكانه والاختلاط بهم.
في الماضي القريب ، لم تسنح لي الفرصة لزيارة ليبيا. لقد قابلت العديد من الليبيين في لندن وتونس والمغرب ، ولكنني كنت مدركاَ بأنّه لا بديل عن الذهاب هناك ومقابلة الليبيين على أرضهم.
ثم جاء الأسبوعُ الماضي ، الذي حظيت فيه بفرصة الزيارة ، ليس لمرةٍ واحدة ، بل لمرتين.
في المرة الأولى ، سافرتُ مع زميليّ سفيري فرنسا وإسبانيا. تم استقبالنا من قبل مسؤولي المراسم في مطار معيتيقة ، ودُعينا لفنجان قهوة ، ثم تم أخذنا إلى القاعدة البحرية. شملت اجتماعاتنا أعضاء المجلس الرئاسي و وزير الداخلية و لجنة الترتيبات الأمنية المؤقتة و 12 عميداً من بلديات طرابلس الكبرى و 4 أعضاء من لجان الحوار السياسي (أصدقائي القدامى من الصخيرات) و 11 عضواً من مجلس النواب ثم عقدنا مؤتمر صحفي حضرته العديد من وسائل الأعلام الليبية.
و كانت زيارتي الثانية بعد 4 أيام من الأولى حيث رافقت فيها وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في زيارة رسمية قصيرة. في هذه المرة قابلنا رئيس الوزراء فائز السراج والمجلس الرئاسي و وزير الخارجية الليبي والصحفيين. ذهبنا أيضا لرؤية زورق القوات البحرية الليبية والذي أتى بالمجلس الرئاسي من تونس إلى ليبيا وقابلنا طاقمه اللذين كانوا جزءًا من تلك المغامرة.
كيف كان انطباعي عن الزيارة؟ أثناء هبوط الطائرة ، ألقيت نظرة تحتنا على المنازل والمحلات والسيارات وأشجار النخيل ببعض من الفضول والتشويق. بدت لي طرابلس كأي مدينة أخرى تدب فيها الحياة بشكل طبيعي. على الأرض ، كان هنالك العديد من قوات الأمن حولنا لكن الوضع كان هادئاً. مررنا بأناس منشغلين في أعمالهم ، محلات لبيع السمك الطازج و الفواكه والخضروات ، وبأطفال في طريقهم إلى المدرسة.
كل الأشخاص الّذين قابلناهم غمرونا بالترحاب و الرعاية و كرم الضيافة. أخبرونا عن تقديرهم لدعمنا لجهودهم في إعادة الأمن والسلام إلى ليبيا ، وأنهم يرغبون في عودة البعثات الدبلوماسية في أقرب وقت ممكن.
تمحورت رسالتنا في هذه الزيارة حول رغبتنا بأن تنجح اتفاقية الصخيرات و حول كوننا جاهزين للاستجابة بشكل إيجابي لأي طلبات دعم. نقطة محورية أخرى كانت امتلاك الليبيين زمام الأمور، فاتفاقية الصخيرات نتجت عن حوار ما بين الليبيين. الليبيون هم الّذين ناقشوا التسويات والخيارات في عملية طويلة ومعقدة. السفراء والمبعوثون كانوا بمثابة الكورال في مسرحية أغريقية ، يرددون ما ينشده الممثلون الرئيسيون – الليبيون – ويعطون التعليقات والتشجيع ، ولكنهم لم يكونوا جزءاً من المفاوضات.
الآن والليبيون ينفذون الاتفاق السياسي ، فإنّ دور المجتمع الدولي سيكون أكثر نشاطاً و لكن فقط كاستجابة لطلبات لحكومة الوفاق الوطني. التدخل والتطفل ليس جزءاً من أجندتنا ، حتى و لو أصرّ بعض المراقبون على توصيف الأحداث كحلقات من مؤامرة.
خلال زيارتيّ الأسبوع الماضي ، دامت مدة بقائي علي الأرض 8 ساعات. رأيت الطريق الساحلي بين معيتيقة والقاعدة البحرية. هذا كان جزءاً بسيطاً ، بمثابة صحن مقبلات الذي يسبق مآدبة مكونة من العديد من الأطباق. في زياراتي المستقبلية ، أودُّ رؤية المزيد ، ليس فقط في طرابلس بل في أماكن أخرى في ليبيا ، ليس فقط في الغرب ، بل في الشرق والجنوب أيضاً.
و بشكلِ أهم، أودُّ أن ألتقي بالمزيد و المزيد من الليبيين. أودُّ أن أتمكن من التجول في الأسواق أوالتوقف في أحد المقاهي لكي اتحدث مع الناس وأتعرف على تطلعاتهم لما سوف يحدث وكيف يمكننا أن نساعدهم.
الأسبوع الماضي تذوقت القليل من طعم وعليل طرابلس. أنا الآن أتطلع إلى زيارتي ووجبتي القادمة.