“الغرض من التعليم هو تغيير المرايا إلى نوافذ”. لكن هـل تنطبق هذه المقولة على ليبيا اليوم؟
بالتأكيد. إنّ الانحدار الشديد في الاقتصاد الليبي. والهبوط في صادرات النفط وأسعاره، وإنفاق ليبيا الحالي الذي يعتبر أكبر من واردتها، وارتفاع أسعار الصرف في السوق السوداء. وارتفاع تكاليف المعيشة بالنسبة للمواطنين. وفي حال ظلّ الليبيون في الاعتقاد بأنهم يعيشون في بلد غني، وبأن الدولة ستستمر في توفير الوظائف. فأنهم مخطئون.
التحدي الأكبر يكمن في توفير فرص العمل. حالياً، يوجد عدد كبير من الموظفين في القطاع العام، من بينهم ما يقارب النصف مليون مُعلّم، مع العلم بأنه وفقاً لخبراء ليبيين، ” تقريباً حوالي نصف هؤلاء المعلمين في الحقيقة لا يذهبون إلى وظائفهم”.
هذه الإحصائيات الصادمة مأخوذة من تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لإفريقيا 2013، والذي قيّم المستوى التعليمي في 144 دولة؛ وفيه جاءت ليبيا في الترتيب 142. قال خبير اقتصادي أن ” السنوات العديدة من نقص الموارد وسوء الإدارة، جعلت قاطع التعليم في ليبيا في وضع مزري. بالإضافة للفساد وغياب العدل، الذي أدى إلى التشكيك في جودة التعليم بشكل عام.”
ببعض من الحظ والمرونة، ستبدأ حكومة الوفاق الوطني بالعمل قريباً. أولوياتها ستكون توفير السلام والأمن والازدهار للشعب الليبي. أنّ إمكانية خلق فرص عمل ستكون جُزءاً كبيراً من عملية ازدهار الليبيين، بالأخص للعديد من الأفراد الذين انضموا إلى الميليشيات، فعندما توّفر لهم فُرص عمل مثمرة، هذا بدوره سيقلل من التهديدات بصراعات مستقبلية.
من سيقوم بخلق هذه الفرص؟ إنّ خلق المزيد من فرص عمل في القطاع العام لا يمثل الاستفادة الأمثل للموارد المتاحة. يجب على القطاع الخاص أن يكون هو المُحرّك للنمُوّ الاقتصادي. ولكن رجال الأعمال لن يستثمرو في ليبيا إلا في حال وجود أشخاص بالمهارات الكافية التي يبحثون عنها.
في الحقيقة، ليبيا كالعديد من دول الشرق الأوسط، والتي فيها لا تقوم المدارس والجامعات بإعداد أشخاص بالمهارات التي تبحثُ عنها الشركات. فلو اقتصرت طرق التدريس والإختبارات والمناهج على الحِفظ -بدلاً من الممارسة –فأن هذا سيؤدى إلى فقد العديد من المهارات الأساسية مثل، الإبداع والابتكار والتفكير الناقد.
إنّ الإصلاح التعليمي ليس بالأمر الهيّن. فمن خلاله يتم تحدي الفكر السائد، والمصالح الخاصة والمفاهيم الثقافية. هذا يعني تغيير نظام الامتحانات لاختبار روح المبادرة والمهارات العملية للطالب. ذلك يعني تسخير المواهب الفطرية للشخص، عن طريق السماح لهم بدراسة ما هو مناسب لهم، لا ما يراه أولياء أمورهم كأمرٍ مرمُوقٍ لهم.
النظام الذي يشجع الناس على تحقيق إمكانياتهم، سينتج قِوى عاملة يرغب سوق العمل في توظيفها. وهذا لا ينطبق فقط على المدارس والجامعات ولكن أيضاً على الحياة بشكلٍ عام. ينبغي أن تتضمن سياسة التعليم، التدريب المهني في المواضيع التقنية كقطاع النفط والبناء والزراعة.
يدعم المجلس الثقافي البريطاني تطوير التعليم في ليبيا ويدرس كيف يمكن للمملكة المتحدة توفير المزيد من الدعم في قطاع التعليم بشكلٍ عام. يُمكن للطلبة الخضوع لاختبارات بمعايير بريطانية وأيضاً يمكن للأساتذة التحصل على مؤهلات التعليم بمعايير بريطانية. خلال هذا الأسبوع سوف يلتقي ممثلين عن الجامعات الليبية في تونس لمناقشة كيفية العمل معاً لتطوير التعليم في الجامعات.
التعليم هو استثمار للمستقبل. كما قال فيلسوف شهير:” اعطي المرء سمكة فسوف تطعمه ليوم واحد. علّم المرء الصيد فستطعمه مدى الحياة” . لو كان هذا من المبادئ الحاكمة لإصلاح التعليم، فإن الأمل بمستقبل مزدهر سيكون أكثر إشراقاً.
قال نيلسون مانديلا: ” إن التعليم أقوى سلاح يمكنك استعماله لتغيير العالم”. الليبيون بدورهم يطمحون لتغيير عالمهم. يمكنهم توظيف العلم كسلاح لمحاربة الجهل والأنانية والبطالة المستقبلية.
بهذه الطريقة، عِوضاً عن أن يكون التعليم مرآةً تعكس فقط الفوضى الحالية، يسكون التعليم نافذة ننظر ونطمح من خلالها إلى مستقبل أكثر اشراقاً.