من أنا؟ أنا أعيش في بلدٍ تحوي ثرواتٍ طائلة. ولكن الأداء الاقتصادي لهذه البلد كان الأسوأ عالمياً في عام 2014، وقد احتلت الترتيب 188 من أصل 189 في تقرير البنك الدولي حول سهولة ممارسة أنشطة الأعمال.
هذه ليبيا. البلد التي لديها أكبر احتياطي للنفط في افريقيا ويبلغ عدد سكانها 6 ملايين نسمة.
الإحصائيات التالية مقلقة جدا:
- في عام 2010 قدَر صندوق النقد الدولي بأن نمو ليبيا الاقتصادي في عام 2014 سوف يكون أكثر من 7٪، وهي أعلى نسبة متوقعة في منطقة الشرق الأوسط. ولكن في الواقع كانت النسبة ناقص 24-٪، وهو أسوأ نسبة لإجمالي الإنتاج المحلي في العالم.
- كان متوسط دخل الفرد في عام 2010 (بالنسبة لأجمالي الإنتاج المحلي) يقارب 12,000 دولار، والذي يساوي متوسط دخل الفرد في بعض الدول الأوروبية. في 2014 انخفض هذا المتوسط إلى 6,570 دولار.
- كانت عوائد ليبيا أكتر من مصروفاتها، وتتمتع بثاني أكبر فائض مالي في الشرق الأوسط. الأن انقلب الوضع. الحكومة تنفق أكتر بكثير من عوائدها ولديها عجز أكتر من 40%، وهو الأكبر في العالم.
- أيضا كانت صادرات ليبيا أكبر مما تصرفه على وارداتها. قامت ليبيا في عام 2014 باستيراد ما قيمته 12.4 مليار دولار وهو أكبر مما صدرته. يتوقع البنك الدولي في الحالة الحالية ارتفاع نسبة العجز إلى 70% من قيمة اجمالي الإنتاج المحلي في عام 2015.
- كنتيجة لما مضى، بدأت ليبيا في استخدام احتياطيها النقدي. في يناير 2014، كان لدى ليبيا احتياطي نقدي بقيمة مريحة بلغت 121 مليار دولار في البنك المركزي. في نهاية 2015 يقدَر البنك الدولي بأن يتبقى في هذا الاحتياطي 55 مليار دولار فقط.
- كانت العملة الصعبة سابقاً متاحة لليبيين الراغبين في السفر أو الشراء من الخارج. الأن هي متاحة فقط في السوق السوداء بضعف سعر الصرف الرسمي. في حال استمرار هبوط احتياطي ليبيا فأن هذه الفجوة في سعر الصرف ستزداد أكتر.
من يهتم بهذه الإحصائيات؟ فهي في نهاية الأمر “كذب، واحصائيات كاذبة ولعينة”. ولكن على كل الليبيين أن يهتموا بحقيقة أن بلادهم تواجه خطر الافلاس. هنالك سيناريو يقترب وفيه كل البضائع المستوردة (من غذاء ووقود) قد لا تتمكن الدولة من شرائها. هذا بالتأكيد واقع ينذر بالخطر.
العديد سيلوم المجتمع الدولي على هذه الأزمة الاقتصادية. بالتأكيد أحد عوامل هذه الأزمة هو عامل خارج سيطرة ليبيا، وهو انخفاض سعر النفط. ولكن معظم هذه المشاكل تنبع من قرارات تم اتخاذها في ليبيا. انخفاض انتاج النفط بسبب غياب الأمن في المنشآت النفطية، الزيادة الهائلة في المصروفات الحكومية على مرتبات القطاع العام، وغياب الاستثمارات بسبب استمرار حالة غياب الأمن في معظم ارجاء البلد.
في حال استمرار هذه الاضطرابات، فأن الوضع الاقتصادي سيزداد سوءاً بكل تأكيد. في حال نجاح الحوار السياسي، هنالك فرصة لتحسن الوضع الاقتصادي. هذا التحسن لن يحدث في ليلة وضحاها، بل سيأخذ بعض الوقت.
ليبيا بحاجة ماسة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس لكي تبدأ في عملية علاج الاقتصاد الليبي المصاب. سيكون هنالك قائمة كبيرة لأولويات الحكومة: توفير الكهرباء، إعادة تصدير النفط، تنظيف الشوارع وإعادة الخدمات العامة للعمل بشكل فعَال كالمدارس والمستشفيات. لذا على جميع الليبيين العمل معاً لدعم جهود الحوار السياسي والوصول إلى اتفاق، كما عملوا معا سابقاً في إزالة القذافي.
تُراقب الجهات الدولية المانحة وتنتظر لتقديم الدعم إلى الحكومة الجديدة. المساعدات الخارجية ستكون ضرورية من أجل إعادة بناء الخدمات الحكومية واصلاح العديد من أوجه الحياة العامة التي تضررت. العديد من الدول، بالإضافة إلى المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي جاهزة لتلبية أي دعوة من الحكومة المستقبلية في ليبيا لأجل المساعدة.
هنالك مقولة كلاسيكية لتشجيع الموظف ” يمكنها النجاح، كلما اسرعت في هذا، كلما كان ذلك أفضل”، هذا ينطبق على ليبيا أيضاً. فكلما أسرعنا بالوصول إلى الاتفاقية السياسية، في حال تطبيقها، ستمضي ليبيا نحو النجاح.