الناس يحبون المؤامرات. فهي أكثر متعة من الواقع وتنتشر بسرعة مثل الفيروسات لأنها تغذي وجهات النظر بشكل عام. على سبيل المثال: الرئيس أوباما لم يولد في هاواي، المافيا هي من قتلت جون كنيدي، تدفن النعامة رأسها في الرمال عندما تشعر بالخطر، والسفراء دائما ما يأكلون شوكولاتة فيريرو روشيه. كل هذه الخرافات منتشرة بشكل واسع، وكلها غير صحيحة.
من خلال تجربتي في العمل مع ليبيا وجدت ازدهارا في نظريات المؤامرة. ولكن دعونا نقارن بعضها مع الواقع.
أولها: “بريطانيا وفرنسا هما من بدء الهجوم على ليبيا في عام 2011 للإطاحة بالقذافي”. الواقع: قام مجلس الأمن بالاستجابة لطلب من جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي لغرض حماية المدنيين في المقام الأول وذلك لمنع حدوث مذبحة في بنغازي. شاركت العديد من دول حلف شمال الاطلسي والدول العربية في الحملة الجوية. أما القتال على الأرض فقد كان يقوده الليبيين.
النقطة التالية: “الغرب تخلى عن ليبيا بعد الثورة”. بالتأكيد لم تكن هنالك “قوات عسكرية على الأرض” لأن هذه كانت رغبة الشعب الليبي. بدوره أكد لنا المجلس الوطني الانتقالي بأنهم سيتمكنون من إدارة المرحلة الانتقالية نحو نظام حكم جديد. قامت العديد من البلدان بعرض المساعدة: فقد قامت المملكة المتحدة وغيرها من البلدان بتدريب الشرطة والجيش وعرضت المساعدات التقنية. ربما كان بالإمكان أكثر مما كان، ولكن “الغرب” لم يكن بإمكانه أن يمنع الفوضى التي ظهرت.
نظرية أخرى منتشرة بكثرة: “بريطانيا تدعم جماعة الإخوان المسلمين”. الحقيقة هي أننا لا ندعم أي حزب أو جماعة أو فرد. نحن ندعم الشعب الليبي ولا ننحاز لأحد. يسعدنا العمل مع أي شخص يشارك في العملية الديمقراطية السلمية ويرفض العنف. حديثنا مع بعض الأشخاص لا يعني بأننا ندعمهم.
وبالمثل: “المملكة المتحدة هي من تدعم داعش”. هذه هـراء. لماذا نود دعم مجموعة من المجرمين والقتلة والإرهابيين؟ واللذين كانوا وراء قتل 30 من المواطنين البريطانيين في سوسة. وكانوا وراء ذبح رهائن بريطانيين في العراق وسوريا. لا شيء مما يفعلونه ينسجم ولوعن بعد مع مصالح أو قيم بريطانيا.
نظرية أخرى رائجة: “بريطانيا تريد تقسيم ليبيا”: حيث تذهب برقة للمملكة المتحدة وطرابلس إلى إيطاليا وفزان لفرنسا. ربما كانت “فرق تسد” احدى استراتيجيات الإمبريالية لسنوات عديدة. ولكن أيام سايكس بيكو ورسم الخطوط في الرمال قد ولت (والحمد لله). أخذ قطعة من أي منطقة ضد إرادة شعبها ليس ما نقوم به.
النقطة التالية: “الغرب يريد استغلال النفط في ليبيا”. ليس هناك شك في أن أوروبا ودول أخرى تحتاج للنفط. ولكننا لا يمكن أن نأتي ونأخذه هكذا. لا بد لنا من شراءه بأسعار السوق. وفي الحقيقة فإن انخفاض أسعار النفط تدل على أن هناك الكثير من المصادر الأخرى للعرض.
سوء فهم مهم جداَ: “ليبيا بلد غني”. ربما كانت كذلك عندما كان إنتاج النفط أكثر من 1.5 مليون برميل في اليوم، وكان سعر السوق العالمي أكثر من 100 $ للبرميل. ليبيا الآن تنفق أكثر من إيراداتها وتسحب من احتياطاتها. اعتمادها على السلع المستوردة كبير وفي نفس الوقت سبل الدفع لهذه السلع تتدهور. السوق السوداء تزدهر والعملة المحلية في خطر. الحل السياسي ضروري لإنقاذ الاقتصاد.
أخيرا: “بريطانيا راضية عن الوضع الراهن”. هذا ليست الأوامر التي تلقيتها من لندن حين استلامي لعملي. المصالح البريطانية في ليبيا واضحة: نريد دولة مستقرة وآمنة، حيث يكون فيها للشعب الليبي حياة كريمة وطرق لكسب عيشهم. نريد حكومة فعّالة وقادرة على توحيد البلاد والعمل معنا في قضايا الإرهاب والهجرة الغير شرعية. نحن مستعدون لدعم هذه الحكومة بحزمة برامج مساعدة بالتنسيق مع الجهات المانحة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
بطبيعة الحال، فإن أنصار نظريات المؤامرة لن يصدقوا أياً مما قلت. سيستمر المشككون في تشكبكهم وسيبقى صانعوا المشاكل في عدائيتهم. سوف تستمر المؤامرات في الازدهار طالما استمرت حالة الفوضى في ليبيا. إنهاء هذه الفوضى هي حاجة ملحة الآن.