يقول الأديب الفرنسي الشهير فولتير ” لا تدع الطموح إلى المثالية يقف حائلاً دون النجاح”. إن هذه المقولة ترتبط بحياتنا وأشغالنا اليومية، كما أنها ترتبط بالسياسة وأيضاً بالوضع الحالي في ليبيا. على الصعيد الشخصي، جميعُنا نطمح إلى الكمال في معظم جوانب الحياة، كالدراسة والعمل وأيضاً أن نكون أفراداً مثاليين في مجتمعاتنا، ولكن يظل تحقيق الكمال شبه مستحيل، فبعضنا يملك مواهب يفتقدها الآخر والعكس صحيح. جميعنا نقترف الأخطاء، والإعتراف بأننا عُرضةً للخطأ هو خطوة أساسية لتصحيح الأمور. كمثال، عند القيام بوظيفة ما، فنحن نقوم بالقيام بأشياءٍ جديدة ونتعرف على آراءٍ مختلفة، ونحاول دائماً الوصول إلى الأفضل. إن التسوية – أي الحل الوسط – تعني أنه لايوجد حلْ مثالي ومتكامل، فليس بمقدور أحدٍ منا أن يرضي دائماً جميع الآراء.
إن الطموح إلى المثالية ليس أمراً سيئاً في حد ذاته، لطالما أن يسعى الفرد دائماً إلى التعلم من أخطائه وللتقدم المستمر، لكنه من الخطأ أن نجعل من الطريق إلى المثالية مدعاةً للتأخر اللامتناهي في إتمام المهمة لمجرد الرغبة في التطرق إلى التفاصيل الثانوية، هذا التأخر قد يؤدي إلى تعقيد الأموربدلاً من تحسينها وإضاعة الفرص بدلاً من استغلالها، ولذلك فإن معرفة أهمية التسوية والتوصل إلى حل وسط يمثل دوراً مهما في إتمام المهام بشكل مُناسب، عوضاً عن اتمامها بشكل مثالي.
هذا المفهوم ينطبق أيضاً على الوسط السياسي، فهناك العديد من أشكال الحكم المختلفة كالحكم الملكي، الجمهوري، الديكتاتوري.. لا يمكن اعتبار أي منهم نظاماً مثالياً، فقد قيل ذات مرة أن “الديمقراطية أسوء أشكال الحكم….”. من المطلوب على كل دولة وضع نظام ديمقراطي خاص بها ليلائم تاريخها و ثقافتها وعاداتها الخاصة. فمثلاً، عند نشأة الصراعات، يكون من الصعب تحييد وجهات النظر المتصارعة، ولكنه لابد من أن يكون التوصل إلى تسوية والقبول بحل وسط جزءاً من مخرجات هذه الصراعات. فعلى الأطراف المعنية التخلي عن بعض وجهات نظرها لتحقيق الخير والصلاح.
إن مثل هذه الظروف، تتطلب أن يكون لدى القادة السياسيين قدرة إدراك المصلحة الوطنية; كمعرفة أهمية التوافق على التسوية والحل الوسط، وأيضاً ادراك أنه لا يوجد هناك حلاً مثالياً.
هكذا هو الوضع في ليبيا. فبعد مُعاناة 42 عاماً من الديكتاتورية وأربعة سنوات من الفوضى، بدأ القادة السياسيين في التدرج للوصول إلى تسوية. فبالرغم من أنه لا تزال هناك بعض المسائل التي تحتاج إلى الحل ، فإن الرغبة في التوصل إلى تسوية متواجدة في النفوس.
إن أعضاء الحوار السياسي يدركون أهمية تغليب المصلحة العامة والتحسين من أوضاع الشعب الليبي وإنعاش الإقتصاد ومواجهة التهديد الإرهابي وتحقيق الأمن والطمأنينة لمدن وقرى ليبيا. هم أيضاً يدركون أنه الآن حان الوقت للوصول إلى تسوية تمثل حل وسط، وأن التأخير في هذا يعني إضعاف الإقتصاد وتقوية شوكة الإرهابيين.
إنه من المهم إدراك حقيقة عدم تواجد حل مثالي، وأنه لا يجب على الأطراف المعنية أن لا تفترض أن جميع مطالبها ستحقق. التوصل إلى تسوية واقعية هو أمر أساسي. في النهاية، حكومة التوافق الوطني ستكون مُدتها سنة أو سنتان كحد أقصى. إن تواصل الجدال حول الأمور الثانوية يصرف النظر عن الأساس: وهو أن ليبيا ليس بإمكانها البقاء على هذا الوضع الفوضوي الحالي.
وفقا لهذا، فإنه قد حان الوقت للقبول بتسوية جيدة عوضاً عن التمسك بأملٍ عقيم بأنه هناك تسوية مثالية قد تكون متواجدة. كما قال الفيلسوف كونفوشيوس ” جوهرة يتخللها الشوائب أفضل من حصى مثالية” بمعنى أنه، أن تملك شيئاً قيماً وغيرمثالي، أفضل من أن تملك شيئاً مثالياً لاقيمة له.