قمت بزيارة تونس الأسبوع الماضي لحضور مؤتمر وكانت الاستعدادات للانتخابات الرئاسية في نهاية الأسبوع الماضي على قدم وساق. وعندما ركبت سيارة أجرة من المطار قال لي السائق: “نحن فخورين بأن نكون تونسيين: الأوائل على صف الربيع العربي للعام 2011. ”
التصويت يوم الأحد كان فعلا أول انتخابات رئاسية تنافسية حرة في تاريخ تونس. و كحال الانتخابات البرلمانية التي جرت الشهر الماضي فقد كانت الانتخابات سلمية وسمح لجميع الأحزاب والمرشحين أن يعبروا عن آرائهم.
كان لتونس دور كبير وأساسي في سلسلة الاضطرابات التي واجهها العالم العربي في السنوات الأربع الماضية. فقد أدى القمع الوحشي الذي استخدمه نظام بن علي ضد المظاهرات الشعبية بعد أن أشعل محمد بوعزيزي النار في نفسه إلى هروب هذا الديكتاتور من البلاد.
لم يكن لهذه المظاهرات الشعبية القوية مثيل في العالم العربي حيث أشعلت مظاهرات وثورات مماثلة في كل من مصر وسوريا وليبيا. ولكن على عكس بلدان أخرى تمكنت تونس من إقرار دستور جديد وإجراء انتخابات بروح ديمقراطية حقيقية متعددة الأحزاب.
فكيف نجحت تونس بذلك وهل هناك دروس يمكن أن تستخلصها بلدان أخرى في المنطقة؟ لم يكن الأمر سهلا، ففي مرحلة من المراحل كان استقرار البلد على المحك. وقبل عام واحد فقط واجهت الحكومة الائتلافية التي يقودها حزب النهضة الاسلامي مشاكل اقتصادية وأمنية صعبة في البلاد حيث رأى بعض العلمانيين ما كان يحدث في مصر وتساءلوا ما إذا كانت ستستطيع حركة تمرد تونسية أن تحقق نفس الشيء.
لكن ذلك لم يحدث وبدلا من ذلك تم تعبئة المجتمع المدني وقامت النقابات العمالية ونقابة أرباب العمل ورابطة حقوق الإنسان ونقابة المحامين بالضغط من أجل الإصلاح. تم إنشاء حوار وطني يشجيع على مشاركة جميع الأحزاب السياسية الرئيسية وكان هناك الكثير من الحديث لأكثر من أربعة أشهر حيث أنشأ هذا الحوار الثقة والثقة أنشأت التضحية التي بدورها أدت الى التوافق.
كان العامل المهم هو الدستور الجديد الذي تم إقراره أوائل هذا العام والذي كان موضع نقاشات مطولة وساخنة. استغرق هذا الموضوع أيضا وقتا طويلا للعثور على حلول وسط التي سمحت بتنفيذه وعلى حد تعبير رئيس الجمعية التأسيسية هي وثيقة يجد كل التونسيين أنفسهم فيها.
الدستور تقدمي جدا وشامل ويشجيع على الحرية وحرية التعبير ويحترم جميع الطوائف الدينية والجماعات السياسية ويعترف اعتراف واضح بحقوق المرأة.
لماذا اختارت تونس التسوية بدلا من الصراع؟ السبب الرئيسي هو أن تونس لديها شعور قوي بالهوية الوطنية التي تضع المصلحة الوطنية الجماعية في المرتبة الأولى وهذا يعني أن جميع شرائح المجتمع من الجماعات العلمانية والإسلامية ورجال الأعمال والنقابات جميعها شاركت بهدف القيام بما هو أفضل للأمة وليس من أجل مصالحهم.
قامت ممارسة النقاش بتغذية الانتخابات الشهر الماضي لاختيار برلمان جديد والجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أجريت نهاية الأسبوع الماضي. فقد ناقش المرشحين ال 27 للرئاسة الأمور التي سيقومون بها لمعالجة المشاكل في تونس. مثل جميع البلدان الاقتصاد هو على رأس جدول الأعمال: كيفية توليد النمو وتوليد فرص العمل وإصلاح التعليم.
قضية الأمن تعد أيضا قضية رئيسية فتونس لديها عدد كبير من المقاتلين في سوريا والعراق وحتما هناك مخاوف بشأن التطرف والتعصب. هذه القضايا مهمة للناخبين وعلى السياسيين أن يكون لديهم إجابات على أسئلة هؤلاء الناخبين.
بالطبع كل بلد عربي مختلف عن الآخر والذي ينطبق على بلد ما لا ينطبق على البلدان الأخرى. ولكن الموضوعات الرئيسية من تونس صالحة للبلدان الأخرى: الحكم وسيادة القانون، الحوار والنقاش السياسي، التسوية والإجماع، احترام آراء الآخرين والموافقة من خلال الشمولية.
كان سائق سيارة الأجرة على حق بالإفتخار ببلاده فقد وضعت تونس معيارا هاما للدول الأخرى في المنطقة.