رأينا قبل أسابيع قليلة ثلاثة أولاد جالسين على حافة السلالم عندما كنا نسير من القلعة باتجاه وسط عمان. كنت أصطحب بعض الزوار من بريطانيا بجولة حول المدينة. كان الأولاد بسن السابعة أو الثامنة و كانوا يأكلون رقائق البطاطا (تشيبس) ويشربون العصير وينظرون الى الناس وهم يصعدون و ينزلون السلالم التي تربط هذا الجزء من عمان.
عندما مشينا بجانبهم رمى أحد الأولاد علبة عصير فارغة على قدمي وعندها توقفت وسألته لماذا رمى القمامة على الأرض؟ لماذا كان يجعل مدينته قذرة؟ ألا يفخر بمدينته؟ جعل الشوارع قذرة بالتأكيد وصمة عار؟
حدق الصبية الثلاثة في وجهي ورأيت مزيج من التحدي وعدم الفهم في نظرتهم. لم يقولوا شيئا وبعدها ألقى أحدهم كيس الرقائق على قدمي.
لا حاجة للقول أن ضيوفي أصيبوا بالذهول ولم يستطيعوا عدم ملاحظة أكوام القمامة المنتشرة في الشوارع الخلفية لهذا الجزء من عمان.
في اليوم التالي ذهب الضيوف إلى جرش بواسطة سيارة أجرة وسألوا السائق الأردني سبب وجود هذا العدد الكبير من أكياس البلاستيك والزجاجات الفارغة على جانب الطريق. عبر السائق عن إستيائه ومشاطرته لهم هذا الشعور.
أوضح السائق أن الناس في قريته تصرفوا حيال هذه المشكلة وأنهم تكاتفوا معا وقاموا بتنظيف الشوارع والحقول المحيطة بها. لم يكن هذا مجرد ردة فعل لحظية بل أرادوا تغيير عقلية الناس من خلال تثقيف المواطنين بعدم ترك القمامة خارج منازلهم وأخذ أغراضهم معهم إلى منازلهم عند العودة من النزهة. كانت مهمة صعبة ولكنها أحدثت فرقا.
تبني المشكلة هو جزء من فلسفة مبادرة أهل البلد التي أطلقت العام الماضي من قبل مجموعة من الأردنيين مع القليل من التمويل من السفارة البريطانية ومساهمات من بعض الشركات الخاصة. يدل اسم المبادرة “أهل البلد” على أن الناس الذين يقطنون منطقة ما أن يعتنوا بها. لقد انضممت لهم في نهاية الأسبوع الماضي للمساعدة في تنظيف جزء من وادي حيدان قرب مادبا.
كان أربعة فتية أردنيين من عمان جزءا من هذه المجموعة: سعيد وفارس وأحمد ومُلهَم وسألتهم لماذا قرروا المشاركة في هذه الحملة. قالوا أنهم أرادوا أن يفعلوا شيئا لمساعدة الأردن وأنهم يشعرون بالأسى لوجود القمامة في المناطق التي يعيشون فيها من مدينتهم. فالجيران يرمون القمامة خارج منازلهم وحتى يرمون الأكياس من على الشرفة الى الشارع.
لقد جاء هؤلاء الفتية للمساعدة لأنهم يهتمون ببلدهم. لقد عملنا جنبا إلى جنب مع كل المتطوعين والتقطنا الزجاجات والأكواب البلاستيكية وعلب السجائر وحتى حفاضات الأطفال المستعملة. جمعنا أكثر من 50 كيس قمامة من 3 مناطق جميلة حيث تضمنت القمامة عدد من الأحذية المتروكة والتي تكفي لفتح متجر أحذية.
لماذا هذه القصص مهمة؟ تحتاج الزجاجة البلاستيكية حوالي 45 سنة لتتحلل عضويا أما العلب المعدنية تحتاج الى200 سنة. ستشكل هذه الأشياء الملقاة في شوارع وطرقات البلد خطرا طويل الأمد على البيئة والصحة. فنحن أثناء هذه الحملة التقطنا فقط النفايات الموجودة على سطح هذا الوادي الجميل.
المبادرات التي تحشد الأفراد من ذوي النوايا الحسنة للخروج لتنظيف أجزاء من البلاد هي مبادرات جيدة للغاية ولكنها لن تحدث فرقا ما لم يتم معالجة السبب الجذري وهو منع الناس من ترك القمامة خلفهم من البداية. يحتاج هذا الى حملة توعية بحيث يدرك كل مواطن أن هناك مسؤولية فردية للرعاية الجماعية للمجتمع. بالطبع من الصعب تغيير السلوك. هناك حاجة إلى حوافز لتشجيع الناس على أخذ تفاياتهم معهم الى البيت وربما حاجة لردع ؤلائك الذين ينتهكون القواعد والقوانين ويتركون القمامة مثل المشاريع التجارية التي تقوم برمي مخلفات البناء في الأرياف.
عاد الزوار الى بلدهم وهم معجبين جدا بزيارتهم للأردن. فقد أعجبوا بالبتراء وجرش ووادي رم ولكن كلماتهم الأخيرة قبل مغادرتهم كانت مؤثرة: “زيارة رائعة وأحببنا الأردن كثيرا ولكن هذه الأكياس البلاستيكية أمر مؤسف للغاية.”