1 October 2014
اسكتلندا الحكيمة
نشرت مجلة الإكونومست قبل ثلاثة أسابيع على الصفحة الأمامية صورة العلم البريطاني متأرجح للأسفل مع عنوان يقول “المملكة المتحدة في رحمة الله؟” من حسن الحظ أن تفكك المملكة المتحدة لم يحدث فقد كان الفارق بعد تصويت الإسكتلنديين 10% لصالح الاحتفاظ بالوحدة و لكن النتيجة كانت قريبة جدا.
لو نجحت الحملة من أجل الاستقلال لكان أثر انفصال اسكتلندا مأساوي. فالوحدة المتبقية من إنجلترا و ويلز و ايرلندا الشمالية كانت ستصبح كيانا أضعف سياسيا واقتصاديا.
الاقتراب الشديد من التفكك بالنسبة لأمة معروفة بنجاح وحدتها عبر تاريخها الطويل كان مفاجئا و بمثابة إنذار للعديد من الناس حول العالم. إذا نظرنا للوراء في بعض النقاشات التي دارت فإننا نرى أن بعض المواضيع كان لديها صدى في بلدان أخرى وربما تكون بمثابة دروس مفيدة للآخرين.
الدرس الأول هو أن الديمقراطية أمر جيد، فقد انخرط الاسكتلنديين في نقاشات مفتوحة وقوية وغالبا عاطفية حول مستقبل بلدهم. كان النقاش حول السياسة: ما هي اسكتلندا التي يريدونها؟ هل سيكون المستقبل أفضل كدولة مستقلة؟ ما هي محاسن ومساوئ هذا الخيار؟
تم تشكيل مجموعات كبيرة من الحملة في كلا الجانبين من النقاش وتواجدت مجموعات عفوية على الحافلات وفي الحانات والمطاعم ومقاصف الشركات للحديث عن السياسة و كيف يريدون أن يكون الحكم وما نوع أنظمة الضرائب والتعليم والصحة التي يريدونها؟
لم يكن هذا مجرد حديث بين السياسيين و الناس بل كان عبارة عن أفضل شكل من أشكال حرية التعبير، فالناس كانت تقنع السياسيين. غالبا ما قامت هذه النقاشات باحداث انقسام بين المجتمعات و الأصدقاء و حتى العائلات.
كانت الحملة سلمية تماما في معظم الوقت على الرغم من العواطف و الحماس. ربما كان هناك رمي للبيض في بعض الأحيان و مشاجرات في بعض الأماكن ولكن الناس بشكل عام احترمت وجهات النظر من الجانب المعارض و لم تلجأ لأساليب التهديد أو التخويف. يتقبل الاسكتلنديين الآن قرار الأغلبية و بما أن معدل المشاركة وصل الى 84.5%، فقد تكلّم الناس والديمقراطية هي الفائزة.
ثانيا، الإصلاح السياسي هو عملية مستمرة وعلى الأغلب لا تنتهي. فقد بدأ التغير السياسي في إنجلترا مع وثيقة الماجنا كارتا عام 1215 و التي بدأت بتحويل السلطة من الملكية الى النظام الإقطاعي. تشاركت بريطانيا و اسكتلندا بنفس الملك عام 1603 و ترسخ الاتحاد عام 1707.
بما أن الاستفتاء انتهى الآن سيكون هناك عملية جديدة لنقل صلاحيات جديدة للبرلمان و الحكومة الاسكتلندية اللذان يتحكمان حاليا بقطاعات الصحة والتعليم والعدل والشؤون الريفية والبيئة. سيؤدي هذا التحرك إلى إصلاح دستوري جوهري بينما تشارك البلاد في النقاش حول نقل سلطات مشابهة إلى أنحاء أخرى من المملكة المتحدة.
ثالثا، هذا يدل على أن مسئلة الهوية تظل بالغة الأهمية بالنسبة للناس وليس فقط في اسكتلندا ولكن في أنحاء كثيرة من العالم. القومية هي قوة فعالة جدا يمكن استخدامها لتعبئة الناس. كما يستخدم موضوع العِرق في بعض أجزاء من العالم لغرس الكراهية ضد أشخاص آخرين مثل الطغاة أو فريق منافس يسعى وراء مكاسب سياسية أو اقتصادية. أدى هذا الموضوع في بعض البلدان الأخرى إلى إبادات جماعية و مذابح وتطهير عرقي.
إذا استخدمت الهوية لتوليد التعصب والشك والريبة فذلك يمكن أن يؤدي إلى انقسام مستمر و حتى دائم. لن يكون مثل هذا الانقسام في مصلحة الجميع ولكن بمجرد خروج المارد من المصباح غالبا ما يكون مستحيلا إرجاعه الى الداخل.
في النهاية فإن الوحدة هي الأفضل و تتطلب للتسامح والشهامة و الكرم مع الآخرين و هذه المشاعر قد لا تأتي بشكل طبيعي. ولكن كما قالت الحملة التي كانت ضد الاستقلال في اسكتلندا “نحن أفضل معا”.
واحدة من أكثر الأغاني الوطنية الاسكتلندية إثارة هي أغنية اسكتلند ذي بريف “اسكتلندا الشجاعة”. وفي هذه المناسبة، فإن الحكمة هي التي سادت ويسرني أن هذه السفارة ستظل تمثل “اسكتلندا الحكيمة”.
“نحن افضل معا”… اتمنى ان يكون هذا شعار وطني العربي!
شكرا مستر بيتر!