قال ونستون تشرشل ذات مرة: ” إن الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم – باستثناء كل الاشكال الآخرى التي تم تجربتها.” كان تشاؤمه هذا مبررا بعدما صوت الشعب البريطاني لصالح إخراجه من منصبه كرئيس للوزراء في غضون أشهر بعد الفوز بالحرب العالمية الثانية.
سواء كانت الديمقراطية أسوأ شكل من أشكال الحكم أم لا، فهناك القليل من الشك بأن البدائل أسوأ. كما أن قمع آراء الناس من خلال الديكتاتورية أو الاستبداد يعني سيادة قلة قليلة على البقية. فرض الاستقرار من خلال الخوف ليس هو أفضل وسيلة لتوفير الأمن والرخاء و النمو الذين سيجعلون حياة الناس أفضل.
الاستقرار الحقيقي يعني أن يكون للناس رأي في الطريقة في شكل الحكم الذي سيحكمهم و لدعم الأفراد و السياسات التي يعتقدون أنها قادرة على جعل حياتهم أفضل وإزالة الحكومات التي تفشل في تحقيق النتائج. إن العلاقة بين الشعب وحكومته هي أمر أساسي وخصوصا في الأوقات الصعبة.
الديمقراطية لا تتمحور فقط حول الانتخابات بل هي أيضا تشمل إنشاء وتشجيع بناء حجر أساس لمجتمع منفتح وعادل مثل سيادة القانون وحماية الأقليات و وجود أحزاب سياسية قوية وحرية و وسائل إعلام حرة و دور قوي للمجتمع المدني و إجراءات صارمة في مكافحة الفساد.
بناء هذه المؤسسات الديمقراطية يستغرق وقتا، فالدول مثل المملكة المتحدة تقوم بذلك منذ مئات السنين. فقد تعرضت انجلترا لحرب أهلية طاحنة منذ 350 عاما والتي بلغت ذروتها في البرلمان و تم إعدام الملك. فرنسا أيضا خاضت ثورة دموية منذ أكثر من 200 سنة و انتهت كذلك بإعدام الملك.
هذه ليست بالضرورة أمثلة يحتذى بها بالنسية للبلدان الأخرى و لكنها توضح حقيقة أن الديمقراطية تستغرق وقتا طويلا. فهي عملية وليست حدث كما سيكون هناك حتما مطبات على طول الطريق. إنها أيضا تعني التكيف باستمرار لمطالب جديدة لإيجاد طرق أفضل لتشكيل حكومات يمكن أن تحكم على نحو فعال.
إن التطور أفضل من الثورة و الاحتجاج السلمي هو أفضل من التمرد. فقد شهد العالم العربي ثورات و حركات تمرد في السنوات الثلاث الأخيرة في كل من تونس ومصر وليبيا و المأساة الجارية في سوريا.
فتلك البلدان التي وافقت على الحاجة إلى التغيير التدريجي مثل الأردن و المغرب هي التي حافظت على استقرارها. ثمة عامل مشترك بين جميع هذه البلدان و هو المطالبة بحياة كريمة حيث يجب أن لا يتم إذلال الناس عن طريق القمع ولكن المشاركة بفعالية في الحوكمة. فالاستجابة لهذا الطلب أمر ضروري.
التغيير يستغرق وقتا و سيكون هناك دائما مقاومة، فهؤلاء الناس الذين تعودوا على الامتيازات السياسية و الاقتصادية ليس من السهل أن يتخلوا عنها. ولكن من المستحيل جعل جميع الناس سعداء كل الوقت. الاستجابة لمطالب وتطلعات الشعب للإصلاح هو عنصر أساسي للاستقرار و بنفس المقدار تحتاج الديمقراطية الى أن يكون لدى الشعوب الحرية للإختلاف مع السياسات و انتقاد أولئك الذين يديرونها.
يبدو أن مناصري نظرية المؤامرة يعتقدون بأن الدول من خارج العالم العربي تريد التدخل في الطريقة التي تقوم البلدان بتطوير أنظمتها الديمقراطية. التدخل شيء خاطىء فعلى كل بلد أن تتجاوب مع مطالب شعبها بطريقتها الخاصة. فليس هناك نموذج غربي و على الديمقراطية أن تكون مبنية على تاريخ وتقاليد و الثقافة السياسية لكل بلد بطريقتها الخاصة.
ما يمكن للبلدان الأخرى فعله هو تبادل الخبرات و الاستفادة من قصص النجاح و الفشل و إظهار أن تحقيق تغيير إيجابي دائم هو عمل أجيال عديدة، و توضيح حقيقة أن الأمر يستحق كل هذا الجهد ، و أن كل بلد يمكن أن يحقق، ليس أفضل شكل من أشكال الحكم ولا أسوأ، بل الشكل الأنسب.