لقد هيمنت على وسائل الإعلام العالمية سياسة كيفية الرد على استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين يوم 21 آب. وكما يحدث في الكثير من الأحيان يتم حجب الحقائق عن طريق الادعاءات الكاذبة و الشائعات. و لكن السؤال الرئيسي يكمن فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستشن هجوما عسكريا على سوريا أم لا. بالنسبة للمملكة المتحدة فقد قررت عدم المشاركة في أي عمل عسكري بعد منقاشة هذا الموضوع في البرلمان. ولكن كلاعب دولي، فإن المملكة المتحدة تلعب دورا هاما في محاولة إنهاء سفك الدماء في سوريا .
أول شيء يمكننا القيام به هو تسليط الضوء على الحقائق. فنقطة البداية هي الرعب من استخدام الأسلحة الكيميائية. فقبل مئة سنة تقريبا رأى العالم أكثر من 1.25 مليون جندي في الحرب العالمية الأولى يتحولون الى ضحايا من أول استخدام لمثل هذه الأسلحة حيث قتل أكثر من 91 ألف و كان العديد من روسيين. إن وصف الحالة التي مات فيها هؤلاء الرجال كان حقا أمر مرعب. فقد ماتوا بطريقة مؤلمة و أصيبوا بالعمى و اختنقوا من الغازات.
بعد هذه الحادثة أجمع العالم على حظر استخدام مثل هذه الأسلحة المكروهة حيث أن الحرب العالمية الثانية، التي قتل فيها أكثر من 50 مليون شخص، لم تشهدت أي استخدام للأسلحة الكيميائية. كما أدى الإصرار على حظر مثل هذه الأسلحة وتدمير أي مخزون منها إلى اتفاقية الأمم المتحدة للأسلحة الكيميائية عام 1993حيث وقعت 189 دولة على هذه الإتفاقية و لكن رفضت سوريا التوقيع عليها.
لا شك في أن النظام السوري لديه القدرة والمواد و الأشخاص المدربين على استخدام الأسلحة الكيميائية و الدليل على ذلك الاستخدام واضح للعيان. فصور صفوف الأطفال الموتى و التسجيلات على اليوتيوب للشبان المفزوعين و الذين تخرج الرغوة من أفواههم تظهر بوضوح أنه تم استخدام هذه المواد المحظورة. و الإدعاءات بأن هذه الأدلة يمكن أن تكون مزورة تتنافى مع الاعتقاد. فمنظمة أطباء بلا حدود قيمت أن هناك 3,600 قتيل وجريح و ذكر الأميركيين بأن 1,429 شخص قتلوا منهم 429 طفل. إن هذه حقا جريمة حرب .
بالطبع هذا الهجوم ليس أول جريمة يرتكبها نظام الأسد. فالقمع الوحشي للاحتجاجات الشعبية التي بدأت منذ سنتين و نصف تفاقم و تحول الى حرب أهلية أسفرت عن مقتل أكثر من مئة ألف شخص وأجبر ما يقارب 2 مليون شخص على الفرار إلى البلدان المجاورة. و قد تم إجهاض الجهود التي قمنا بها سابقا، و التي نقوم بها الآن، لحشد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمواجهة هذه المأساة.
السؤال هو كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يتحرك الآن في مواجهة مثل هذه الجريمة. من وجهة نظر المملكة المتحدة، فقد استبعد تصويت البرلمان الاسبوع الماضي المشاركة قي التدخل العسكري. الحكومة ستحترم إرادة البرلمان ولكن هذا لا يعني أن المملكة المتحدة لن تلعب دورا في هذه القضية، إنما على العكس تماما. نحن ما زلنا نعتقد بقوة أننا لا يمكن أن نسمح باستخدام الأسلحة الكيميائية في القرن 21 بدون حساب. تجاهل هذا الأمر يمكن أن يقوم بإرسال معاني خطيرة.
ستستمر المملكة المتحدة للعمل مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة و الأردن و غيرها من الشركاء الدوليين للوصول الى حل سياسي للأزمة السورية. لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري فقد أريقت الكثير من الدماء من كلا الجانبين و لذلك من الضروري إيجاد عملية سياسية قوية. لا أحد يدعي أن التحول السياسي إلى دولة جديدة تعددية و ديمقراطية سيكون بالأمر السهل كما أن خطر التطرف مهم جدا، وإنما من مصلحة الجميع أن يتم إنجاح المسار السياسي .
العمل الإنساني هو أيضا على رأس الأولويات. فأكثر من 6 ملايين سوري تركوا منازلهم فاريين الى دول مثل الأردن التي تحتفظ بحدودها مفتوحة و تظهر الكرم الهائل في مساعدة المحتاجين. لقد ساهمت المملكة المتحدة بأكثر من 540 مليون دولار أمريكي في هذه الجهود كما أنها تعمل مع الجهات المانحة الأخرى والأمم المتحدة و المنظمات غير الحكومية لتوفير المأوى والغذاء والدواء والتعليم و الخدمات الصحية للاجئين بالإضافة الى تقديم الدعم للمجتمعات المضيفة.
لدينا مصلحة كبيرة في العمل مع الحكومات في المنطقة بما في ذلك الأردن من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن في مواجهة عدم الاستقرار الموجود في سورية. إنني أدرك جيدا أن الأردنيين قلقون من تهديد الأسلحة الكيميائية وتأثر الأردن من هذه الأزمة. نحن جميعا بحاجة إلى العمل معا لمعالجة أعراض مرض الأزمة السورية ولكن علينا أيضا العمل على التشخيص و العلاج طويل المدى خشية من أن يصيب المنطقة بأسرها .
الكثير من الجدل، سواء هنا أو عالميا يشوبه تاريخ العراق عام 2003 . أنا أتفهم ذلك، ولكن من المهم أن ندرك أن الأزمة السورية ليست كما كان الحال عليه في العراق. فقد رأينا بأعيننا استخدام الأسلحة الكيميائية و من الواضح أنه لن يكون هناك أي غزو بري و على عملية الانتقال السياسي أن تكون نتيجة لعملية سياسية .
أخيرا، فقد تغير أسلوب النقاش عن الإصلاح السياسي في المنطقة في السنوات ال 10 الماضية. لم تستجب الدول الغربية إلى ما يسمى بالربيع العربي بوصفة طبية أو نموذج للديمقراطية في الشرق الأوسط . وكما قالت الحكومة البريطانية بأنها ستحترم آراء ممثليهم المنتخبين بطريقة ديمقراطية، علينا أيضا أن نعترف بأن كل بلد في الشرق الأوسط يجب أن يطور ويصمم ديمقراطيته وفقا لتاريخه وتقاليده و ثقافته .