10 July 2013
شارلوتا لونغستوكينغ
عندما كانت ابنتايا صغيرتين كانتا تقرأن قصص عن شخصية تدعى بيبي لونغستوكينغ تبلغ من العمر تسع سنوات و لديها ضفائر حمراء. و قد كانت فتاة غير عادية ذات ثقة عالية بالنفس و لا تحترم أي سلطة. كما كانت لديها أيضا قوة خارقة حيث أنها كانت قادرة على رفع حصانها بيد واحدة. لقد تعلمت ابنتاي أن الفتيات يمكنهن تحقيق أي شيء يريدونه.
كانت بيبي لونغستوكينغ سويدية الأصل. و هناك سويدية أخرى ذات قوة دبلوماسية خارقة و هي السفيرة السويدية لدى الأردن، شارلوتا سبير و التي ستغادر عمان هذا الشهر بعد خمس سنوات من عملها في الأردن. إذا كان عدد حفلات الوداع هو مقياس شعبية الشخص فليس هناك شك بأننا سنفتقدها كثيرا.
لقد أثبتت شارلوتا أن النساء دبلوماسيات بشكل ممتاز. ففي الماضي عانى السلك الدبلوماسي مع النساء حيث رفضت وزارة الخارجية البريطانية توظيف النساء كدبلوماسيات حتى عام 1946. قبل ذلك لم تكن الوزارة توظف سوى “النساء الضروريات” (وهن في الواقع عاملات التنظيف) و ” سيدات طابعات” يطبعن الوثائق التي يمليها عليهن الرجال.
في الثلاثينيات تم رفض اقتراح لتوظيف النساء على أساس أن المرأة لن تكون قادرة على تكوين شبكة من العلاقات إذ تم تقييم المرأة على أنها لا تستطيع جسديا تحمل الضغوطات و المناخات الحارة والغير صحية. و لم يكن ممكننا معرفة ما إذا كانالرجال الذين صاغوا هذا التقرير يريدون مراعاة المرأة أو حماية مستقبلهم المهني من المنافسة الجديدة.
هذا الاستنتاج تم تهميشه بشكل كامل من قبل إحدى النساء البريطانيات الأكثر شهرة في الشرق الأوسط و هي جيرترود بيل. ففي بداية القرن ال 20 أثبتت بيل أن المرأة يمكنها أن تعيش في المناخات الحارة حيث انتقلت للعيش في خيمة مع البدو في الأردن وسوريا وشبه الجزيرة العربية. كما عاشت لسنوات عديدة في بغداد والبصرة في العشرينات من ذلك القرن.
على الرغم من العداء الذي واجهته بيل من قبل زملائها الذكور فقد اثبتت قيمتها كمسؤول سياسي مع إجادتها للغات وفهمها للثقافات المحلية و تمكنها من المناورة وراء الكواليس للقيام بوظيفتها. فقد كانت السيدة الوحيدة في السلك الدبلوماسي و لكنها رفضت من أن كونها أنثى قد يجعل ذلك عقبة في طريقها. و دليل على نجاحها هو أنها واحدة من المسؤولين البريطانيين الذين ينظر اليهم باحترام في المنطقة. يمكن للتاريخ أن يعتبرها مسؤولة استعمارية و لكنها كانت أيضا عالمة و خبيرة في مجال الآثار ومصورة و متسلقة للجبال وامرأة لديها حب للمغامرة.
في الوقت الحالي تشجع وزارة الخارجية البريطانية بشدة تعيين السفيرات كما تفعل معظم البلدان الأخرى. فتقديم الفرص المتساوية يعد استخداما ذكيا للمهارات والخبرات.
لقد أظهرت شارلوتا تلك المهارات بشكل كامل. أنا شخصيا سأفتقد شخصيتها الدافئة وقدرتها على تقييم الوضع بفهم وصدق عظيمين. ولكنني سأفتفد أيضا سعيها الدائم على صعيد قضايا المرأة. فكلما اجتمع سفراء الاتحاد الأوروبي بمسؤول أردني كنا نعتمد على شارلوتا في طرح سؤال عن العدد الضئيل من النساءأو عدم وجودهن في مجلس الوزراء أو في المناصب العليا الأخرى.
لم تكن هذه حملة شخصية لاحقتها شارلوتا بأسلوب متحجر و متعصب. فتكافؤ الفرص هو مبدأ أساسي لقانون حقوق الإنسان و جميعنا نتمسك بهذا المبدأ. نحن نعرف أن عدد الإناث في الأردن ليس بالقليل و في الواقع أنني التقيت العديد منهن في منزل شارلوتا و منهن السياسيات و سيدات الأعمال و منتجات الأفلام وصحفيات وغيرهن. ما نريد رؤيته حقا هو اعتراف المجتمع ككل بقيمة هؤلاء النساء وحقيقة أن لديهن مستوى عال، و ربما أفضل، من التعليم وإذا قام الاردن بتسخير هذه الموهبة فإنها ستنمو و سيتم الإستفادة منها.
ربما كانت بيبي لونغستوكينغ شخصية وهمية و لكنها أثبتت للفتيات أن لديهن القوة لفعل ما يريدون. تعلمت ابنتاي أنه يجب أن يكون لديهن الثفة في قدرتهن و أن يخرجن ويظهرن للعالم ما يمكنهن القيام به. فإذا جاءك أحد ما يقول أن الله خلق الرجل قبل المرأة تذكر فقط أنك دائما تبدأ بالمسودة و من ثم تأتي بالتحفة النهائية!