لقد سمعت على مدى الأسابيع القليلة الماضية الكثير من الناس يتحدثون عن “المنتدى الاقتصادي العالمي” كما لو أن هناك مجتمع سري و غامض لا ينتمي اليه الا قلة محظوظة. فربما كان عليك التحدث بلغة مشفرة لتكون جزء من هذه النخبة. فماذا كانت انطباعاتي؟
كان هذا الحدث ضخما حيث اجتمع أكثر من 900 شخص في عطلة نهاية الأسبوع في منطقة البحر الميت لمناقشة القضايا الاقتصادية والإقليمية. فهذه هي دافوس على البحر و كان الحدث منظم بالدقة السويسرية. فالتنظيم يسير كالساعة و كل حدث و برنامج يبدأ في الوقت المحدد له تماما. كان على الجميع (و أنا أعني فعلا الجميع) ارتداء بطاقاتهم الأمنية واستخدامها في كل مكان.
كما هو الحال في العديد من المؤتمرات، تكون فرصة التواصل و التعارف هي من أهم ما يجري. و أولئك الذين يحبون توزيع بطاقاتهم الشخصية يستمتعون جدا في مثل هذه المناسبات. فالعلاقات القديمة تتجدد و تخلق فرص لإقامة علاقات تجارية جديدة. كما أن الأحاديث الحيوية في أروقة المؤتمر تغذيها كميات كبيرة من القهوة والمقبلات.
بشكل عملي، فإن المنتدى يتألف من مجموعات تناقش القضايا الكبرى القائمة وعلى رأسها الاقتصاد وكيفية تغذية النمو في منطقة الشرق الأوسط. كل حلقة نقاش تتضمن أشخاص مهمين يجلسون قبالة الجمهور في كراسي مريحة. لكن الكراسي يمكن أن تعطي انطباعا خاطئا عن الراحة لأن الأسئلة غالبا ما تكون صعبة جدا. تكمن مهارة مدير الجلسة في السيطرة على عدم انحياد المتحدثين عن النقطة الرئيسية والتأكد من أن يسأل الجمهورأسئلة حقيقية بدلا من الاستعراض.
هل كان ذلك يستحق كل هذا العناء؟ نعم بلا شك. فقد قابل الوزير البريطاني لمجلس الوزراء فرانسيس مود وزراء أردنيين و تم مناقشة مشاركة الأردن في اجتماع شراكة الحكومة المنفتحة و أهمية الشفافية كدافع لتحسين خدمات القطاع العام وبالتالي تعزيز النمو. كما التقى الوزير البريطاني أيضا مسؤولين من المنطقة.
التجربة الأكثر غرابة بالنسبة لي كانت أثناء اجتماع مع وفد يتألف من ستة من كبار المسؤولين في غرفة صغيرة جدا فيها ثلاثة كراسي فقط. لم يكن أمام المترجم الى أن يجلس على الأرض و جلسنا نحن أيضا معه على الأرض. و لكن بسبب الضجيج و المحادثات خارج غرفتنا لم نستتطع أن نسمع أنفسنا!!
كانت قيمة و أهمية المنتدى في العديد من الاجتماعات الجانبية. فعلى سبيل المثال كان أمرا رائعا رؤية الكثير من الرواد من الأردن والمنطقة في مكان واحد يشددون على حيوية القطاع الخاص. كانت الجلسات حول المشاريع المبتدئة والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم ممتلئة مما يدل على الاهتمام العميق في هذه القطاعات و الدور الحيوي الذي يلعبونه في تحقيق النمو في المنطقة.
و بلغت قيمة المنتدى أيضا في الاجتماعات العالية المستوى أبرزها الكلمة الافتتاحية للرئيس عباس أثناء جلسة “كسر الجمود” الذي حضرها الرئيس عباس و الرئيس بيريز و وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. و كدليل على الإرادة السياسية فقد وصلت هذه الجلسة الى عناوين الصحف بالشكل الصحيح. أما التعليقات على تويتر فقد كانت مليئة بالشكوك بأنه من الممكن أن يحدث أي إنفراج نتيجة هذه الجلسة. لكن التشجيع على الجهد بالتأكيد أفضل من التذمر عن الخمول.
بالنسبة لي إحدى المناقشات الأكثر تعبيرا كانت عن السياسة الخارجية حيث تحدث السيد مود عن كيفية استخدام المملكة المتحدة لرئاسة مجموعة الثمانية من أجل تعزيز النمو وفرص العمل في منطقة الشرق الأوسط. ركزت المناقشات بشكل كبير على الربيع العربي حيث تحدث أحد المشاركين من مصر عن توقعات الثورة التي أصيبت بخيبة الأمل. فالناس الذين كانوا يأملون في الحصول على الكرامة و الفرص والديمقراطية أصيبوا بخيبة أمل. كما ساد الفقر وسوء الخدمات و غاب احتمال وجود أي تقدم. تحدث الوزير أيضا عن الحاجة إلى حل المشكلة الفلسطينية وليس فقط ادارتها.
هذه المشاركة تظهر أحد الفوائد الرئيسية للمنتدى الاقتصادي العالمي وهي أن الناس يمكنهم التحدث بحرية وصراحة و إحترام دون النظر الى من حولهم أو القلق من أن يسمعهم أحد و يقوم بتدوين الملاحظات.