احتفلنا الأسبوع الماضي ب “ليلة بيرنز” وهي تجمع تقليدي للاحتفال بذكرى الشاعر الاسكتلندي الكبير الذي ولد لعائلة فقيرة تعمل بالزراعة، لكنه أصبح الآن أديبا مخضرما لأمته.عانى هذا الشاعر من عدم قبول وتقدير من حوله وتعرض للإفلاس والفشل مرات عديدة.
تذكرت أيضا بطل اسكتلندي آخر وهو روبرت بروس الذي فشل في الحروب ولكنه معروف بعبارة: “إذا لم تنجح في البداية: حاول و استمر في المحاولة!” كان بروس ملك اسكتلندا في القرن الرابع عشر و خاض معارك طويلة مع الإنجليز لاستعادة الحكم على اسكتلندا. فقد هزم في المعارك عدة مرات وفي نهاية المطاف هرب إلى جزيرة نائية قبالة سواحل ايرلندا حيث عاش في كهف هناك.
و في احدى الأيام و أثناء جلوسه في زاوية الكهف وهو يشعر بالإكتئاب، شاهد بروس عنكبوت يحاول نسج شبكته. اطلق العنكبوت نفسه باتجاه الجانب الآخر من الكهف وبدأ في نسج الشبكة. استمر العنكبوت بالمحاولة مرة تلو الأخرى للوصول إلى الجانب الآخر و قد أوشك على تحقيق هدفه. لكنه لم يستسلم و استمر في المحاولة. و بعد عدة محاولات نجح العنكبوت و تشبث في الجانب الآخر من الكهف وبدأ بنسج الشبكة.
ألهمت هذه الحادثة بروس و أدرك أن الشعور بالأسف على نفسه وقبول الفشل هو أمر مهين. عندها خرج من الكهف وجمع جيشه وانطلق لهزيمة الإنجليز، واستطاع أن يجبر الجيش الإنجليزي على التراجع في معركة بانوكبيرن عام 1314. أصبح بروس ملك اسكتلندا المستقلة بعد أن حقق هدفه و أوجد له مكانة في التاريخ.
العبرة من القصة هي أن الفشل ليس عيبا بل يمكن له أن يكون مفيدا. الاستمرار في المحاولة و الفشل بشرف وكرامة بالتأكيد أفضل من الاستسلام أو المحاولات الضعيفة و غير الجادة. في الواقع أكبر أنواع الفشل هو الاعتراف بالهزيمة و الاستسلام والعودة إلى الضعف.
هذا الدرس له صلة مباشرة بإدارة الأعمال. الكثير من الشركات الناشئة تفشل مع أنه لا يوجد خطأ في ذلك. فالعديد من رجال الأعمال وسيدات الأعمال الأكثر نجاحا في أعمالهم قد فشلوا بضع مرات قبل نجاحهم، لكنهم لم يسمحوا لهذا الفشل أن يحبطهم. فقد تعلموا منه وأدركوا بشكل أفضل كيفية بناء المشاريع الناجحة وحاولوا مرة تلو الأخرى. في نهاية المطاف و مثلما حصل مع عنكبوت بروس، فقد وجدوا المعادلة الصحيحة للنجاح و قاموا ببناء و تطوير شركاتهم من أجل تحقيق أهدافهم.
المجازفة هي جزء من الحياة اليومية. في بعض الأحيان تجلب المجازفة النجاح والازدهار والكرامة و في أحيان أخرى تجلب الفشل. يجب على أي شاب يريد البدء بمشروع أن لا يهتم كثيرا بما يعتقده عنه أصدقائه أو أسرته. كما ينبغي على أي أسرة لديها شخص رائد و طموح أن لا تمنعه من المجازفة خوفا على هيبة العائلة. فالابن أو الابنة الذين يبدؤون مشروعا خاصا بهم هم تماما كالطفل الذي بدء للتو بالمشي، عندما يقع الطفل مع خطواته الأولى المتعثرة هل يتوقف الأهل عن دعمه للمحاولة من جديد؟ بالطبع لا: الاستمرار في تشجيع الطفل سيؤدي حتما إلى اتقان المشي ومن ثم الجري و حتى القيام بحركات بهلوانية!
على أي شاب يريد البدء بمشروع جديد أن يجازف وأن لا يخاف من الفشل. فعليه المحاولة و الاستمرار في المحاولة كما هي الحال عند الطفل الذي يبدأ بالمشي و تماما مثل العنكبوت الذي يغزل شبكته.