3 October 2012
هل هو مسجد؟ أم كنيسة؟
تخيل أنك في مسجد هائل و ضخم عمره أكثر من ألف سنة. حيث تجد نمط معماري يشجع على التأمل: منظر لأعمدة تبدو كأن لا نهاية لها مجتمعة جميعها و منتهية في محراب. و لكن في قلب المسجد تجد كاتدرائية: مذبح وتماثيل لقديسين وجوقة من الطراز الباروكي. فهل هو مسجد؟ أم كنيسة؟
هذه هي “ميزكيتا” في قرطبة في جنوب اسبانيا. تاريخها يرمز إلى التاريخ المختلط الذي تأثر به تلك الجزء من إسبانيا. فقد بدأ بناء المبنى حوالي عام 600 بعد الميلاد على أنها كنيسة. و بعد وصول الإسلام بعد حوالي 100 عام تم تحويلها إلى مسجد و سمح لكل من المسيحيين والمسلمين استخدامها. و تم توسيع المسجد خلال القرن العاشر لتصل أبعاده إلى ما هو عليه حاليا، ثم بنيت الكاتدرائية في وسط المسجد في القرن السادس عشر. فالبناء يلخص بدقة كيف استطاعت الديانتين الإسلامية والمسيحية من خلال الفن والثقافة أن تؤثر على هذا الجزء من أوروبا. و في قرطبة أيضا منطقة كانت حي يهودي فيه كنيس حيث تعكس تراث ثقافي آخر.
خلال زياتي لقرطبة وغيرها من المدن الإسبانية هذا الصيف، أدهشني التراث الواضح الذي خلفه العرب – أو “المور” الاسم الذي عرفوا به محليا – في هذا الجزء من إسبانيا. أندلوسيا، والمعروفة باسم الأندلس عند العرب الذين حكموا منذ بداية القرن الثامن حتى عام 1492، تحتوي على العديد من المساجد والقصور والحصون التي توضح تأثير العرب في إسبانيا: تراث معماري و فني و ثقافي دائم.
و مثال آخر على هذا الإرث هو قصر الحمراء في غرناطة و هو أكثر القصور العربية المحافظ عليها في العالم منذ القرون الوسطى. فقد كان اسمه في بدايته “القلعة الحمراء” ولكن في القرنين الثالث و الرابع عشر حولته سلالة بني نصر إلى سلسلة من القصور التي كان يستقبل فيها السلطان زواره ويسير أعماله في حين تستمتع عائلته بالحدائق والساحات المظللة المليئة بقنوات المياه والنوافير والمسابح.
كما أن المباني مسقوفة بالأخشاب المزخرفة و البلاط الملون. و هناك مباني بنيت من قبل الملوك المسيحيين أيضا و التي تشكل أنماط مختلفة من الفن المعماري. فعلى سبيل المثال، المباني العربية تميل إلى أن تكون غير مزخرفة و بسيطة من الخارج و لكنها تزج بالزخارف من الداخل. أما القصور المسيحية فهي كلاسيكية النمط من الخارج ولكن لم يكتمل العمل فيها من الداخل.
زينت العديد من هذه المباني بالخط الإسلامي و بالرسومات المسيحية. فقصر الحمراء مغطى بالآيات القرآنية مثل آية “ولا غالب إلا الله” و بجانبها أنماط هندسية معقدة.
هناك جوانب أخرى من الثقافة الإسبانية الحديثة مثل الغيتار و الفلامينكو يمكن أن يكون لديها أصول عربية و متأثرة من الوجود العربي. حتى النهر الذي يمر عبر قرطبة، الكوادالكويفير، يلفظ إلى حد كبير مثل “الوادي الكبير”. و العبارة الإسبانية لكلمة الأمل “أوجالا” تشبه كلمة “إن شاء الله”.
تحتفل أسبانيا بهذا التاريخ المشترك وتستغل بشكل كامل التراث الموروث من التأثيرات الإسلامية واليهودية والمسيحية العظيمة على ثقافتها الحالية. فعلى الرغم من التاريخ المضطرب المليء بالصراعات والحروب بين المور والمسيحيين، فإن الزوار من جميع أنحاء العالم يمكنهم الآن زيارة هذه المباني المذهلة والتعجب من مهارة المهندسين المعماريين وجمال الزخارف الفنية. فالانسجام الفني الذي يمكنك أن تشعر به الآن في باحات القصر وقاعات الاجتماعات يضع معيارا للانسجام السياسي والاجتماعي الذي نحتاج أن نحققه بين الشرق والغرب.
وبالتالي فإن الميزكيتا هو رمز مهم: حيث ساد التسامح الديني ذات مرة وحيث شكل الفن المعماري الإسلامي والمسيحي الغير متوافقين مبنى لا مثيل له و الذي يقدره الناس من جميع الخلفيات.