4 September 2012
العقرب و الضفدع
أراد عقرب عبور نهر النيل. و بما أنه لا يستطيع السباحة سأل ضفدع أن يحمله إلى الضفة المقابلة. “مستحيل!” قال الضفدع. “ستلدغني و من ثم سأغرق! ” “بالطبع أنا لن ألدغك” قال العقرب “لأنني سأغرق أنا أيضا”. قام بعد ذلك الضفدع مترددا بالسماح للعقرب أن يصعد على ظهره وبدأ يسبح بالنهر. و في منتصف الطريق لدغ العقرب الضفدع. صرخ الضفدع و قال: “لقد قلت انك لن تلدغني! الآن سنغرق نحن الاثنين. لماذا فعلت ذلك؟ رد العقرب: ” لأن هذه هي الطبيعة “.
فالموضوع الرئيسي للقصة هو أن الطبيعة هي التي دائما تسود و لكنها بنفس الوقت تشير إلى أن الذين من الخارج لا يمكنهم فهم طبيعة الآخرين. و كما لم يستطع الضفدع أن يفهم طبيعة العقرب، لا يمكن للأجانب أن يتوصلوا إلى فهم كامل لطبيعة الناس من مختلف البلدان و كيف يفكرون. هذا الدرس مهم على كافة المستويات، فهو مهم لأولئك الذين لديهم أصدقاء وللذين يقومون بالأعمال التجارية و أيضا للذين يتخذون القرارات السياسية. قد نعتقد أننا نقول الشيء الصحيح باللهجة والمحتوى المناسبين ولكن من الممكن جدا أننا نرتكب أخطاء هائلة.
تصادفنا تناقضات ومفارقات في العديد من الثقافات. فعلى سبيل المثال، يجد العديد من الغربيين الذين يعيشون ويعملون في الخارج تناقضا بين طريقة إنجاز الأمور والقيادة على الطرق. فمن جهة، على الأجانب أن يتعودوا على أن إنجاز الأشياء يأخذ وقتا: ابتدءا من البيروقراطية في اتخاذ قرار إلى إحضار شخص لإصلاح ماسورة مكسورة، و الجواب الذي نعلمه جيدا “بكره إن شاء الله” أو حتى ” بالمشمش “. ولكن من ناحية أخرى نجد السائقين المحليين بعيدين كل البعد عن الصبر أثناء قيادتهم في الشوارع؛ فبمجرد الجلوس وراء مقود السيارة يخرج الصبر من النافذة ولا يوجد هناك أي استعداد لإعطاء الأولوية للآخرين.
هذه التناقضات تنطبق أيضا على مسيرة الإصلاح السياسي التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط. فالناس الذين عاشوا مع الفساد و الاستبداد وعدم وجود الفرص الاقتصادية، ليس لديهم الصبر من أجل التغيير. إذا كنت تسعى لتوفير الطعام بكرامة لأسرتك فإن الحاجة إلى وظيفة هو أمر فوري. و من ناحية أخرى، فإن بناء الثقة في المؤسسات الجديدة لا يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها. إذا كيف يمكنك تحقيق التوازن بين الاندفاع نحو التغيير الذي لا مفر منه و أهمية إصابة الهدف الصحيح؟
في التعامل مع هذه القضايا، الأجنبي يرى الأمور من خلال تاريخه وثقافته وقيمه. فالتغيرات في أوروبا أخذت قرون. وبعض القيم هي قيم إنسانية: أنه يجب الاستماع إلى صوت الشعب، و أن تكون المؤسسات ممثلة بشكل كامل، وأن يكون موضوع خلق الوظائف والفرص الاقتصادية في مقدمة السياسات الاقتصادية، وأن يكون القانون الدولي واحترام حقوق الإنسان ملتزم بهما. في هذا الصدد فإن مطالب وتوقعات الناس في الشرق الأوسط لا تختلف عن مطالب وتوقعات باقي الشعوب.
ولكن يجب على الساسة والدبلوماسيين والأكاديميين ورجال الأعمال الذين يعملون في دول مختلفة ألا ينظروا إلى هذه القضايا من منظار خبراتهم و خلفياتهم. يجب التعامل معها من خلال تقدير التاريخ والتقاليد والثقافة المحلية المميزة. يجب علينا أن نكون حذرين من إصدار أحكام على أساس التاريخ والخبرة السياسية الغربية. وللسبب نفسه، يجب علينا تجنب اقتراح بأن هناك النموذج الغربي للديمقراطية الذي من شأنه تلبية تطلعات الشارع العربي. الديمقراطية يجب أن تكون نابعة من الداخل. إذا كانت شعوب المنطقة تريد تبادل الخبرات، فأهلا وسهلا، ولكن القرارات الرئيسية يجب أن تكون بيد هذه الشعوب.
فهم الثقافة المحلية – وتقبل أننا قد لا نفهما – هو أفضل وسيلة لتجنب المفاجآت المؤلمة. فكما تعرض الضفدع لمفاجأة غير متوقعة، كان ذلك فشله أيضا بعدم فهمه لطبيعة العقرب الذي أدى به إلى نهاية سيئة.