يعتقد البعض أن الدبلوماسيين يقضون معظم وقتهم في الأكل والشرب. لو عرف هؤلاء كم يستغرق الدبلوماسيين وقت للرد على الرسائل الإلكترونية وإدارة الميزانيات. ولكن من المؤكد أن ولائم الغداء والعشاء هي إحدى الوسائل الأساسية التي يستخدمها الدبلوماسي للتعرف على الناس ولفهم البلد الذي يعمل به.
أكثر ما أستمتع به خلال عملي في الأردن هي الدعوات لتناول المنسف، الطبق التقليدي المكون من الأرز و اللحم والصنوبر و الجميد. معظم هذه الدعوات تكون خارج عمان، فالخروج من عبدون بين الحين و الآخر أمر صحي لرؤية الأردن الحقيقي.
ذهبت قبل أسبوعين إلى البادية الشمالية لتلبية دعوة من عضو في البرلمان الأردني. كان هناك تجمع حاشد لأكثر من 200 شخصية محلية بارزة و وجهاء المنطقة في خيمة ضخمة خارج منزله. العديد منهم كانوا يرتدون لباسهم التقليدي و يجلسون وفقا لرتبتهم أما شيوخ العشيرة كانوا يتوسطون المجلس. مقابلة هذا العدد الكبير من الأشخاص يمكن أن يكون تجربة كبيرة لصبي من رومفورد في شرق لندن.
عند وصلي ذهبت وصافحت الحضور . ثم جلست وشربت بعض القهوة اللذيذة وتجاذبت أطراف الحديث مع شيوخ العشائر الجالسين على كلا جانبي. بعد ذلك كان الجزء الرسمي من الخطب والأسئلة والتعليقات. و أشار بعض الشيوخ كبار السن إلى الطبيعة التاريخية لعلاقة الأردن مع المملكة المتحدة مع ذكر كلوب باشا. و البعض الآخر، وخاصة في هذه المناسبة في الشمال، كانوا حريصين على مشاركتي بالمشاكل التي تواجههم في الزراعة والاقتصاد خصوصا مع تدفق السوريون الذين فروا من القمع الوحشي على امتداد الحدود السورية.
حاولت الرد على أسئلتهم مؤكدا على دعم بريطانيا لبرنامج الحكومة للإصلاح ولكن مع التشديد على أن هذا الإصلاح متروك للأردنيين و ليس لأي جهة خارجية .
لقد انتقد بعض الناس مثل هذه الزيارات للسفراء الأجانب واتهموهم بالتدخل في الشؤون الداخلية. فهذا أمر بعيد كل البعد عن الحقيقة. والهدف من هذه الزيارات هو الاستماع والتعلم. هذا هو واجبنا: محاولة فهم هذا البلد والثقافة واللغة والديناميكية السياسية والاقتصادية للبلد الذي نعمل به. و بالطبع التدخل غير مقبولا. ولكن أنا متأكد من أن السفراء الأردنيون يقومون بزيارة مناطق من البلدان التي يعملون بها وآمل أن يجدوا نفس الترحيب الذي أجده هنا.
لنعود للعنصر المهم و هو المنسف. جميعنا وقفنا حول موائد مستديرة عليها أطباق ضخمة عليها خروف كامل. بعض المضيفين يقدمون لي شوكة وملعقة، ولكن الطريقة الوحيدة لتناول المنسف هي باليد و تناول قطعة من اللحم و غمرها بالجميد ثم مزجها مع الأرز والصنوبر لتصبح كرة جاهزة للأكل. يمكن أن يكون هذا دسم جدا ولكن على الضيف الذكي أن يترك دائما مجالا للكنافة، الحلوى اللذيذة المصنوعة من العجين الناعم والجبن والفستق.
ستبقى ذكرى هذه التجمعات معي لفترة طويلة. هذا هو سبب انضمامي الى السلك الدبلوماسي وهو الجزء الذي أستمتع به كثيرا بعملي. و الترحيب الذي لاقيته في كل مكان في الأردن كان حقا دافئا و مميز جدا.