23 January 2012
أعطوا السلام فرصة
لقد نجح الملك عبد الله في جمع المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين معا للمرة الأولى منذ 16 شهرا. فقد اجتمعوا ثلاث مرات في عمان باشراف وزير الخارجية ناصر جودة.
و شهدت التعليقات في الصحافة الدولية تفاوتا بين التشاؤم والتفاؤل و السخرية. فمن السهل أن نكون متشائمين ونقول أن هذه المفاوضات لن تغير شيء. أما أنا فأفضل الواقعية: لا ينبغي لأحد أن يتظاهر بأن التوصل إلى اتفاق سيكون أمرا سهلا. فقد استعصى هذا الأمر على المفاوضين على مدى سنوات. ولكن كما قال جلالة الملك بنفسه، الحديث أفضل من عدمه.
حل النزاعات يعتبر علم و فن و هناك مبادئ واضحة ينبغي إتباعها. ولكنها بحاجة الى أن تتكيف مع الظروف. المهم هو أن يبقى الهدف النهائي أمامنا. فللفلسطينيين الحق في إقامة دولة لهم و لإسرائيل الحق في ضمان أمنها. فالهدفين مترابطين: أفضل ضمان لأمن إسرائيل هو من خلال السلام مع دولة فلسطينية.
ما هي العوامل الأساسية لتسوية النزاع؟ فيما يلي اعتقادي أهم هذه العوامل:
- الاحترام المتبادل والثقة: ما لم يثق المفاوضون ببعضهم البعض فلن نحرز أي تقدم. لا استطيع أن أحصي عدد المرات التي قال فيها كلا الجانبين أن “رقصة التانغو تتطلب شخصين.” لا شك في أن ذلك صحيح ولكن الطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك هي بالدخول إلى حلبة الرقص.
- التنازل: فإذا رأينا أن أي مكسب لأحد الطرفين يعد خسارة للطرف الآخر سيكون هذا أمر غير مجدي. سوف يتطلب أي حل مجموعة متوازنة من التنازلات. الأخذ والعطاء من كلا الجانبين أمر أساسي.
- لا تهديدات أو أعمال عنف: وكما قال غاندي مبدأ العين بالعين سيترك العالم كله أعمى.
- تجنب لعبة اللوم: الاستعراض أمام العالم كله أمر مغر˶ ولكنه يعيق التوصل إلى تسوية بناءة. إنه أمر جيد أن كلا الجانبين اتفقا على التزام الصمت مع وسائل الإعلام و ينبغي عليهم التمسك بهذا الاتفاق.
- الاتصال بين الأشخاص: يمكن للممثلين من أعلى المستويات التفاوض لكن على الثقة أن تكون موجودة بينهم. فإذا كان لا يسمح للأشخاص لقاء بعضهم البعض سيكون من الصعب جدا إقناعهم بأن المخاطرة تستحق كل هذا العناء.
تلك هي النظرية و بالطبع تم تجربتها من قبل. إن تاريخ عملية السلام في الشرق الأوسط مليء بالمبادرات و المبعوثين و الاتفاقات. و لم يتحقق سوى القليل على أرض الواقع و الأسباب معروفة. فلماذا نحاول مرة أخرى الآن؟
الحقيقة هي أن الوضع الحالي صعب ومقلق للغاية: إذا ما استمر بناء المستوطنات فسيكون حل الدولتين مستحيل. المجتمع الدولي يدين بانتظام المستوطنات و يصفها بالغير قانونية و أنها تشكل عقبة أمام السلام. و قد وصف نائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليج الاسبوع الماضي بناء المستوطنات “بالتخريب المتعمد”. كما أن عنف المستوطنين ضد القرى الفلسطينية والمساجد في ازدياد دائم.
السلام ليس خيارا سهلا و يتطلب شجاعة أكبر من الحرب. ربما يكون أهم شيء نحن بحاجة له على جميع المستويات هو الشجاعة والتصميم. أتذكر مقولة: “الصراع أمر لا مفر منه أما القتال اختياري.”
جميعنا نعلم أن التنازل أمر صعب. بالنسبة للقادة السياسيين هذا يعني الاتجاه نحو اللاشعبية و إشعال الاتهامات بالخيانة. فمن السهل اطلاق الشعارات القومية وإرضاء المتطرفين. و لكنه أصعب بكثير ان يرقى الشخص إلى مستوى الخطاب الخاص به واتخاذ القرارات الصعبة للوصول إلى الهدف الذي على الارجح تفضله الأغلبية الصامتة.
لقد تم تطبيق العديد من هذه المبادئ بنجاح في ايرلندا الشمالية في السنوات العشر الماضية. بالطبع الظروف تختلف، ولكن حقيقة أن القادة السياسيين و الجماعات اللذين كانوا على خلاف كبير هم الان يتشاركون في السلطة. و لتحقيق تلك النتيجة كان على كلا الجانبين أن يدركا أن العنف لن يجدي نفعا وأن التوصل الى حل سيؤدي الى تحقيق السلام والمنافع الاقتصادية للجميع.
يمكن فعل ذلك.