بالنسبة للناس في المملكة المتحدة ، عبارة ” من الجيد أن نتحدث ” تستحضر ذكريات حملة اعلانات تلفزيونية لخدمات الهاتف ، من واحدة من شركات الاتصالات الرئيسية في المملكة المتحدة ! وكانت واحدة من تلك العبارات التي ، خلال عقد التسعينات، أصبحت مرادفا لفعل بسيط هو التقاط الهاتف و إجراء مكالمة
اليوم ، تبادرت العبارة إلى ذهني عندما أعود بذاكرتي إلى الزيارة التي قام بها الاسبوع الماضي مدير الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية و شؤون الكومنولث ، نيل ويجان ، إلى الخرطوم . زيارته بدأت “حوار استراتيجي” جديد بين حكومتي المملكة المتحدة و السودان . محادثات على مدى يومين ، مع الوزارات الحكومية المختلفة ، تناولت العلاقات الثنائية بين المملكة المتحدة والسودان ، الوضع الأمني في المنطقة ، التعامل مع قضايا الهجرة ، التقدم في إنهاء النزاعات الداخلية في السودان وتعزيز النمو الاقتصادي و حقوق الإنسان
ما الذي نعنيه ”بالحوار الاستراتيجي” ؟ فالنضع المصطلحات جانبا، هذا مفهوم هو حقا بسيط جدا . انه يعني التحدث. نتحدث عن ما لدينا من قواسم مشتركة . نتحدث عن اختلافاتنا . نتحدث عن مستقبل علاقتنا والتعاون بيننا
يمكن ان يعرف ،على انه حوار بين طرفين . وليس ان يفرض جانب واحد أجندته على الآخر ، ولا ان يسيطر على النقاش. انه عن الاستماع و فهم وجهة نظر الطرف الآخر ، وايضا ابداء رأيك وتوضيح وجهة نظرك
ولعل هذا يبدو واضحا . هل هو كذلك ؟ كم عدد المشاكل و التوترات في حياتنا يوما بعد يوم تنشأ من الخلل في التواصل ، أو عدم وجود تواصل ، سواء مع زميل أو صديق أو أحد أفراد العائلة؟ ربما عدد كبير ! إذا كان هذا هو الحال في العلاقات بين الأفراد ، فكيف يكون الحال بين الحكومات ، التي تتضمن العديد من المؤسسات والمسوؤلين ؟!
حافظت المملكة المتحدة و السودان منذ فترة طويلة على تبادل الحديث والحوار في كل هذه القضايا ، وأكثر من ذلك . في نواح كثيرة، و مبادرة “الحوار الاستراتيجي” هي مجرد وضع اسم لما نقوم به بالفعل ، و لتأكيد أننا نريد استمراريته. وانها وسيلة للجمع بين كل المحادثات المختلفة لدينا ، لننظر إلى الصورة الكبيرة . نحن عازمون على الاجتماع مرة اخرى لاجراء مزيد من المحادثات الرسمية قبل نهاية العام
ولكن لأضفاء الطابع الرسمي على الالية ، نحن أيضا إرسالنا رسالة نقول فيها ان السودان محل اهتمام بالنسبة للمملكة المتحدة ( ونأمل أن ان تكون المملكة المتحدة محل اهتمام بالنسبة السودان !) . نحن نعتقد أن البلاد لديها دور هام تقوم به في مواجهة التحديات الإقليمية اليوم . أننا نريد مواصلة تطوير العلاقات بين شعبينا، سواء في المجالات الثقافية والاقتصادية و التعليمية . أننا نهتم بشعب السودان ، و نريد أن نقوم بدورنا لوضع نهاية للنزاع، وتحقيق التنمية ولأيقاف المعاناة الإنسانية
استثماراتنا هي بالفعل دليل على ذلك الالتزام. المملكة المتحدة هي ثاني أكبر جهة مانحة للعمل الإنساني في السودان ، المملكة المتحدة انفقت ٤٥ مليون جنيه استرليني سنويا على المساعدات الإنسانية والإنمائية . مساهمتنا في بعثات حفظ السلام يوناميد و اليونسفا تجاوزت ٦٠ مليون جنيه استرليني في عام ٢٠١٥. – المجلس الثقافي البريطاني في السودان هو ثالث أكبر مجلس في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى . كل عام المجلس الثقافي البريطاني يصل إلى ٤ ملايين معلم ومتعلم للغة الإنجليزية في السودان. . لقد تضاعفت عدد منح شيفننغ المقدمة للسودان الى ثلاث مرات ، قدمنا أكثر من مليون جنيه استرليني لتدريب الصحفيين ، وقمنا بتمويل ثلاث مواسم ناجحة من المسابقة التلفزيونية مشروعي . بلأضافة الى الكثير
المحادثات الرسمية الأسبوع الماضي ركزت على ترسيخ هذا الالتزام وتطويره في المستقبل . كما وفرت منتدى هاما بالنسبة لنا لتبادل الآراء الصريحة و الصادقة بشأن القضايا التي نختلف فيها . نحن نعلم أن الحوار لوحده لن يحل بعض من أصعب التحديات في السودان . على وجه الخصوص، حل النزاعات المستمره ، فإنه يتعين على الجانبين اتخاذ الإجراءات اللازمة ، و فعل ذلك باسرع فرصة لوضع نهاية للمعاناة الإنسانية التي لا داعي لها
لن نستطيع تحقيق هذه الأهداف من خلال التحدث إلى الحكومة وحدها . نحن بحاجة إلى أن المشاركة بصورة واسعة مع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة الأخرى في السودان ، بما في ذلك المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام و المعارضة . ان لديهم دورا هاما للغاية ، تحدث نيل أيضا مع ممثلين من بعض هذه المجموعات خلال زيارته
بالعودة إلى إلاعلان التلفزيوني القديم ، آمل أن مبادرة هذا الحوار الجديد سيجعل مشاركتنا في السودان بسيطة مثل التقاط الهاتف ، نحن نسعى إلى توسيع وتعميق حوارنا مع جميع الجهات الفاعلة لصالح البلدين