انني أنتمي لدولة ظلت تعاني من نزاع داخلي لأكثر من نصف قرن. وأنا جزء من جيل يُوصف ب أطفال النزاعات. أحاول أن لا أنسى تلك الأيام الآن وقد أصبحت مسؤولة في السفارة البريطانية في الخرطوم عن تقديم برامج منع نشوب الصراعات . تجربتي في الطرف المتلقي لهذه البرامج جعلتني أكثر ادراكاً لمدى أهمية وقيمة أن يفهم المستفيدين وأصحاب المصالح الوطنية الأخرى تماما المعنى والغرض من أنشطة منع نشوب الصراعات
عبرت مُخيلتي هذه الافكار الاسبوع الماضي حين كنت في طريقي نحو نيالا لزيارة بعض المشاريع التي تُمول من المملكة المتحدة وغيرها من الجهات المانحة عبر صندوق سلام واستقرار المجتمع في دارفور
.يُساهم برنامج صندوق سلام واستقرار المجتمع في دارفور في تحقيق أهداف المملكة المتحدة في وضع حد للصراع في السودان وفي استعادة الثقة بين المجتمعات المعرضة للخطر
كانت هذه زيارتي الأولى إلى دارفور، وكنت متحمسة جدا لسماع أفكار أفراد المجتمع وجها لوجه حول المشروع. أردت أيضا التأكد من أن يفهم المستفيدين أن هذه المشاريع، قبل كل شيء، هي مشاريعهم. وكان أول درس لي في هذا الجانب أن المقدرة على فهم والرد على التحية السودانية، أو حتى مجرد تبادل المعلومات حول أطفالنا، وسيلة لطيفة للتواصل والتشجيع على تبادل وجهات النظر. بالاضافة لذلك فاني وجدت ان المقدرة على فهم بعض خفايا اللغة أعطاني نظرة ثاقبة لديناميات المجتمع وأي السبل قد تكون الأفضل لتيسير التغيير
فوجئت عندما بدأنا المحادثات حول أنشطة المشروع بمدى بصيرة المجموعة لبرامج منع نشوب الصراعات بصورة فاقت توقعاتي. على سبيل المثال ، مشروع بناء مدرسة مربوط في العادة مع برامج التنمية أكثر من برامج منع نشوب الصراعات. ومع ذلك أوضح لي قادة المجتمع من الرجال والنساء كيف أن المدرسة أصبحت المنطقة الرئيسية للبدو والمزارعين من جميع الأعمار للقاء بعضهم البعض، و لتربية الأطفال الصغار معاً وتوفير مساحة لتجمعات المجتمع
قد لا تكون التجمعات المدرسية الطريقة النهائية التي يتم بها حل النزاعات، ولكنها البداية. الاتفاق حول الدوام الدراسي والواجبات المدرسية، مشاركة أطفال من خلفيات وقبائل مختلفة بعضهم البعض فروضهم المنزلية ، أو تقاسم المسؤوليات بين الآباء يساعد على خلق بيئة تُهيء قادة المجتمع، الأمهات والآباء والشباب على التعايش
كمانحين، قد نرغب في أن نرى طرق أخرى لتقوية عناصر المشاركة، التوثيق والانخراط ، وأن يتم بذل المزيد من الجهد لتمكين المرأة، ولكن في النهاية تظل تلك الآليات هي الآليات التي أوجدتها المجتمعات ومهمتنا هي تقويتها لتؤدي إلى مجتمع أكثر شمولا
يُعد برنامج صندوق سلام واستقرار المجتمع في دارفور آلية فعالة لمعالجة التحديات ذات الصلة بالصراعات. يدار الصندوق من قبل برنامج الأمم المتحدة الذي يعمل أيضا على تزويد الأمانة التقنية. وتُساعد الآلية عن طريق إدارة تمويل جهات مانحة متعددة في توصيل دعم أكبر للمجتمعات المحلية مع خفض التكلفة الإدارية للمانحين. منذ أن بدأ في عام 2008، تم صرف 65 مليون دولار لاستقرار المجتمعات، واستعادة الثقة بينهم، وتمهيد الطريق لتحقيق الانتعاش المبكر
وقد تم تمويل عشرات المشاريع بهذه الطريقة عبر ولايات دارفور الخمسة ومئات من الآليات المجتمعية لحل النزاعات كما تم انشاء لجان للسلام لمعالجة النزاعات حول المياه، والمراعي، وطرق الهجرة وسبل العيش الخ. حالياً تصل النشاطات المدعومة من آلية صندوق سلام واستقرار المجتمع في دارفور إلى حوالي 178،000 شخص
ولكن، كما هو الحال دائما، لا تزال هناك تحديات. لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لإنشاء ارتباط بين هذه الآليات لحل النزاعات على مستوى المجتمع المحلي وبين محافل السلام الأوسع. وبينما تكافح المجتمعات المحلية لإنشاء ودعم آليات للحوار والتعايش السلمي بين أنفسهم، يجب ايجاد وسيلة لتمكين جميع الأطراف من أن تكون مُمثلة في عمليات الحوار الوطني والسلام
ما زال هناك تحدي إضافي يكمن في تحسين مشاركة المرأة والشباب في الآليات المجتمعية لحل النزاعات وأنشطة كسب الرزق وتحسين الثقة بين المجتمعات ومنفذي العمل في المناطق الأكثر حساسية
على الجانب الإيجابي، ان دعم الحكومات الولائية في هذه المجالات مُقدر للغاية وقد كان إيجابيا حتى الآن. ولكن قد تكون هناك مساحة للأفكار المبتكرة في هذا المجال. لذلك، هل لدى القاريء أي أفكار؟
!المشاركة والإبتكار خطوات أولية في منع نشوب النزاعات