أكدت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وبصورة واضحة على أن التعاطي مع الفساد يمثل مسألة هامة لجميع اليمنيين. كما أعادت وبصورة سديدة اتفاقية السلم والشراكة الوطنية والتي وقعت عليها كافة الأطراف في 21/ سبتمبر/ 2014 مكافحة الفساد على رأس الأجندة السياسية في اليمن.
في العام 2011 حين خرج الشباب والنساء ونشطاء المجتمع المدني إلى الشوارع كانت احتجاجاتهم تطالب بوضع نهاية للفساد ونظام المحسوبية والمحاباة. غير أنه وبعد مرور ثلاث سنوات على ذلك وعلى الرغم من الوعود التي بشر بها إطار المسؤوليات المشتركة الموقع بين الحكومة اليمنية والمانحين في العام 2012 ومصادقة مجلس النواب على قانون حق الحصول على المعلومات والذي طال انتظاره طويلاً في نفس السنة, فلم يتغير شيئاً على صعيد قضية الفساد. كما يظهر أن الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والتي تأسست في العام 2006 قد قلت قوتها في مكافحة الفساد عن ذي قبل وهي حالياً تخضع لمعركة قضائية أمام المحكمة العليا بخصوص شرعية أعضاءها.
على ضوء هذه الخلفية نظمت وزارة التنمية الدولية البريطانية (DFID), ومكتب التنمية الدولية الألماني (GIZ) والوكالة السويدية للتنمية الدولية (Sida) ورشة عمل حول استراتيجيات وطرق مكافحة الفساد في اليمن استضافتها العاصمة الاردنية عمّان في نهاية سبتمبر وقام بالتيسير لورشة العمل هذه مركز (U4) لموارد دعم مكافحة الفساد.
شارك في هذه الورشة ممثلون عن مكتب رئاسة الجمهورية وهيئة مكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ووزارة المالية ووزارة الشئون القانونية والهيئة العليا للرقابة على المناقصات ووزارة الداخلية وجهاز الأمن القومي ومكتب النائب العام إلى جانب ممثلين عن منظمات المجتمع المدني والهيئات المانحة وذلك للبحث في كيفية دعم الحكومة اليمنية للمضي قدماً في جهودها لكبح جماح الفساد.
وفي هذه الورشة كان مستوى الإجماع والتوفق مذهلاً عندما كان الأمر يتعلق بتشخيص المشكلة. وعلى الرغم من مصادقتها على اتفاقية الأمم المتحدة ضد الفساد في العام 2005 لا تزال اليمن تفتقر إلى إطار قانوني فعال للتعاطي مع الفساد. كما تظل كفاءة الإطار المؤسسي في اليمن تواجه معوقات من خلال ضعف نطاق الصلاحيات وتدني القدرات وغياب التكامل في الإجراءات القضائية وضعف التعاون فيما بين الهيئات المعنية. كما وردت وبصورة متكررة قضية الحصانة القانونية من التحقيق والملاحقة القضائية الممنوحة لكبار المسؤولين الذين تحوم حولهم شبهة الفساد على ألسنة المشاركين كأحد أعراض مشكلة الفساد الواسعة.
مثل هذا كله يستدعي السؤال: أين تكون البداية؟ إن وجود استراتيجية شاملة يبدو جيداً على الورق ويبقى الامتحان الحقيقي في التنفيذ والدليل على ذلك أن استراتيجية اليمن الوطنية لمكافحة الفساد (2010- 2014) لم يُنفذ منها سوى 25% وذلك وفقاً لأعلى التقديرات. ولهذا فقد شددت ورشة العمل على الحاجة إلى تحديد الأولويات بناءً على الفهم السليم للاقتصاد السياسي للفساد في اليمن واتجاهات الرأي العام وأيضاً ما هو مهم للمواطن اليمني الذي يريد أن يستلم مرتبه كاملاً ولا يدفع شيئاً منه إلى رئيسه وأن يكون قادراً على التعامل مع المسؤولين دون الاضطرار إلى دفع رشوة والذي يريد أن يرى موارد الدولة مستثمرة في العيادات الصحية وفي المدارس ولا تنتهي في جيوب النخب الفاسدة.
كما أكدت ورشة العمل هذه على حقيقة أن معالجة الفساد هو جهد طويل الأجل ويحتاج إلى الاستدامة في اليمن كما هو الحال في أي بلد في العالم. كما تحتاج عملية الانتقال السياسي في اليمن إلى تغيير مستدام وليس إلى سيناريوهات “الرابح/ الخاسر” المقوضة للاستقرار والتي يمكن أن تنجم عن الاندفاع المتهور في إصلاحات مكافحة الفساد. غير أن هذا لا ينبغي أن يُأخذ كحُجة لعدم الحركة فلا يوجد “وقتاً مناسباً” للقيام بإصلاحات صعبة كما أن الشعب في اليمن في انتظار رؤية إنجاز ملموس يتحقق إذا ما أُريد لهم أن يستمروا في إيمانهم وثقتهم في عملية الانتقال.
على هذا الصعيد سيكون النجاح مرهوناً بوجود التعاون والعمل المشترك القوي عبر مؤسسات الحكومة ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمجتمع الدولي. أيضاً سيكون هناك حاجة لاتخاذ قرارات صعبة: حيث يمكن لإصلاحات دعم المشتقات النفطية أن تضع حداً لضياع ملايين الريالات وتشجع على عودة الاستثمار في مشاريع البنى التحتية وبرامج الحماية الاجتماعية.
ربما يظن المواطنون أن لا حول لهم ولا قوة ولكن يمكن لهم في الحقيقة أن يلعبوا دوراً هاماً للغاية. وفي هذه الورشة كان هناك تبادل ودروس مستفادة من تجارب بعض الدول كأفغانستان وفلسطين حيث خلقت رقابة المواطنين على تقديم الخدمات وصرف مخصصات الموازنة أثراً كبيراً للغاية في نقل الحوافز وتغييرها وفي الحد من الفساد على المستوى المحلي. وتعكف حكومة المملكة المتحدة على إعداد برنامج جديد لدعم تطبيق مثل هذه الطريقة في اليمن.
يأتي تأسيس اللجنة الاقتصادية التابعة لرئيس الجمهورية والتي تستمد صلاحيتها من اتفاق السلم والشراكة الوطنية في وقت حساس للغاية. ويمكن لها أن تضخ نفساً جديداً من الحياة في الحملة للتعاطي مع الفساد وفي هذا السياق فأن تحديد بعض إجراءات العمل الملموسة والتي من شأنها أن تعزز من ثقة الناس أن تمثل نقطة جيدة للبداية.