بدأت الأمطار في صنعاء هذا الأسبوع. اليوم الأول كان جافا؛ وفي الثاني – وتقريبا عند الساعة الرابعة عصرا بالضبط، فُتحت أبواب السماء وإذا بالشوارع مغمورة بالمياه. هرع الأطفال للعب في البرك التي تصل فيها المياه إلى الكاحل ورفع الكبار ثيابهم لتجنب البلل. قبل أسبوعين – في الثالث والعشرين من مارس – كان اليوم العالمي للمياه.
مياه الشرب هي إحدى أكثر الموارد قيمة وثمنا على وجه الكوكب – والتي بحاجة إلى أن نقوم بإدارتها بحذر واليمنيين بشكل خاص أكثر من غيرهم.
كلنا نعرف القصة: فاليمن تعتبر إحدى أكثر الدول المجهدة مائيا والمتأثرة بانعدام الأمن المائي على نطاق عالمي. وقد تصبح صنعاء أول عاصمة تعاني من نفاذ المياه بشكل كامل – ربما خلال العشر السنوات القادمة. يوجد حوالي 30% من الناس في اليمن يستخدمون بشكل منتظم أقل من 15 لتر من الماء في اليوم لكل شخص. هذا أقل من الحد الأدنى لكمية المياه التي تعتبر مقبولة استجابتا لأزمة إنسانية. يوجد حاليا أكثر من عشرة ملايين شخص لا يحصلون على مياه شرب نظيفة ولا تتوفر خدمات صرف صحي مناسبة لأكثر من اثني عشر مليون شخص.
يمكن لشُح المياه المتزايد هذا أن يؤدي إلى صراعات خصوصا إذا لم يتم إدارة موارد المياه بشكل صحيح. كيف لنا أن نستغل المياه في شوارع صنعاء حتى تجري في نظام تصريف إلى خزانات حِفظ حيث يمكن تصفيتها واستخدامها لسد حاجة المدينة؟ متى يمكن أن نقوم بتحوّل ثقافي ونزرع محاصيل تغذي الشعب لا أن تقضي على شهيتهم: يتطلب إنتاج كيس واحد من القات إلى 500 لتر من الماء؛ أو فقط 290 لترا منها لكيلوجرام من البطاطس. كيف لنا أن نستفيد من المياه المالحة على ألاف الكيلومترات من الخط الساحلي لليمن واستخدامها لجعل حياتنا أفضل؟ (ملاحظة: بالنسبة لهذه، عليك فقط سؤال المحافظ شوقي في تعز الذي ستتغلب رؤيته وإبداعه في النهاية على البيروقراطية في صنعاء لتنفيذ مثل هذا المشروع لصالح أهالي تعز.)
تقوم المملكة المتحدة، من خلال وكالة التنمية الدولية، بمساعدة اليمن على معالجة بعض من مشاكلها. الدعم الذي قدمناه للصندوق الاجتماعي للتنمية بين عام 2011 والعام 2013 وفر وصول مصادر مياه شرب نظيفة ومحسنة لأكثر من تسعة ألاف عائلة كما وفر وسائل صرف صحي محسنة لأكثر من ثلاثة ألاف عائلة.
حيثما أمكن تم تحقيق هذا باستخدام موارد مياه متجددة بما في ذلك عملية تجميع مياه الأمطار في صهاريج تخزين. لقد رأيت بنفسي العديد من نماذج مشاريع الصندوق الاجتماعي للتنمية الخاصة بالمياه وكيف أنها حسّنت حياة الناس. فخزان المياه في بني الفليحي في عمران يعني بأن نساء القرية لن يحتجن بعد اليوم أن يذهبن إلى قرى أخرى لجمع المياه أو شراء المياه غالية الثمن التي يتم إيصالها بالعربات. بالمثل فأن السد في بيت مازور بصنعاء مكّن أهالي القرية من التحوّل من زراعة الكفاف إلى زراعة محاصيل تدر ربحا ماليا مثل البن، البطاطس وغيرها من الخضروات.
من ناحية أخرى فأن المملكة المتحدة تحسّن أيضا وصول المياه النظيفة من خلال برامجها الخاصة بالمساعدات الإنسانية. فبين عام 2013 والعام 2015 سنوفر مياه آمنة لأكثر من 300000 شخص يعيشون في مجتمعات ضعيفة وسنوفر وصول مياه آمنة لحوالي 15000 من المهجّرين بما في ذلك تزويد المهجّرين بسبب النزاعات في حجة وصعدة بمرشحات من الخزف لتنقية المياه وأطقم أدوات صحية. من الضروري أن يتم اتخاذ إجراءات فورية لتزويد المجتمعات الفردية بسبل متطورة للحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي. ولكننا نعرف أن هذه الجهود ما هي إلاّ مجرد قطرة مقارنة بحجم الاحتياجات.
لهذا من الضروري على حد سواء أن يتم النظر بشكل أوسع في مسألة إدارة موارد المياه في اليمن. تقوم حكومة المملكة المتحدة بتمويل برنامج لمساعدة المجتمعات والهيئات المحلية على العمل معا لإدارة موارد المياه الشحيحة بشكل مستدام. نقوم بتمويل مشروع ابتكاري في الحديدة حيث يتم استخدام المياه من أحد المساجد و تصفيتها بصورة طبيعية ومن ثم تقديمها كمياه نظيفة لسد حاجة المدرسة المجاورة.
هذه الخطوات مهمة على المستوى المحلي تجاه ضمان الإدارة السليمة لموارد المياه المحدودة في اليمن. ولكن يتبقى الكثير ليتم عمله لتحسين إدارة موارد المياه على المستوى الوطني.
بالطبع في نهاية المطاف، فأن إدارة المياه شأنها كشأن أي شيء أخر، تتعلق بالسياسة. كان من الممكن أن يكون مشروع تعز في أوج عطائه الآن لو لم يظل أسيرا للسياسة. تحتاج الرؤية الخاصة بمستقبل اليمن إلى النظر في كيف يمكن للدولة – بدعم من الشعب – أن توفر الموارد الأساسية بأسعار ميسورة.