عيد الاستقلال مناسبة لاحياء ولادة لبنان الدولة. تحل هذه المناسبة بعد اشهر فقط على تسلمي مهامي هنا كسفير وكنت افكر في عطلة نهاية الاسبوع هذه في طبيعة لبنان كأمة.
لبنان طائر الفينيق والارز الخالد وستة آلاف سنة تاريخ تشكَل كأمة في العام 1920. جمع مجموعات محتلفة من الناس ما كانوا ربما يفكرون ببعضهم البعض كمواطنين في نفس الوطن. لبنان الوطن صمم طريقة فريدة من نوعها للاستجابة الى كل الاختلافات.
واليوم بعد أكثر من سبعين عاما ارى ان للبنانيين اسبابا كثيرة للاتحاد تحت راية العلم اللبناني. يتألف لبنان من مجموعات كثيرة لكل منها منظور مختلف –ان لم يكن تنافسيا حتى- ولكن كما برهن قادة هذا البلد بعد اعتدائي برج البر اجنة المأساويين انه من الافضل لهم ان يكونوا متحدين من ان يكونوا مفرقين.
حتى الآن رأيت امورا كثيرة يمكن ان يفتخر بها لبنان: التقيت جنودا بواسل يحمون حدود الوطن، واساتذة مدارس يؤمنون تعليما من مستويات عالمية لاطفال محتاجين سواء كانوا لبنانيين او سوريين، وشبانا وشابات طموحين يطورون مهاراتهم لادارة المشاريع العالمية في المركز اللبناني البريطاني للتبادل التكنولوجي (UK-Lebanon tech hub ). لقد اطلعت على القدرات اللوجستية الفائقة في مرفأ بيروت بدعم من شركة بريطانية وكان عمل الافراد العاديين والمنظمات الخيرية الذين لا يدخرون جهدا لجعل بلدهم مكانا افضل، مصدر الهام لي.
لكنكم لا تحتاجون الي انا الغريب لاقول لكم ان عليكم ان تفتخروا ببلدكم. لقد سألت بعض اللبنانيين عما يعني لهم عيد الاستقلال واليكم ما قالوه:
“انه يوم فخر لهذا البلد الصغير الصامد الممتد على 10452 كم مربع: لبنان اكبر من ان يبتلع واصغر من ان يقسم”
“سأحتفل بعيد الاستقلال عندما يصبح بلدنا حرا في قراراته، وعندما تتحقق الحوكمة الرشيدة ويصبح لدينا نظام قضاء مستقل ومساءلة للحكام عن افعالهم واحترام حقوق الانسان واعتماد دستور عصري”.
“انه يوم نقول فيه للعالم ان الحرية ليست ارثا انما يجب الكفاح من اجل تحقيقها وحمايتها وما زلنا بعيدين عن ذلك. سنستمر في النضال لتحقيق الحرية والسلام لكي يعود لبنان نموذجا للتعايش”.
“اذا كان هذا البلد يستحق ان نموت من اجله في زمن الحرب فهو طبعا يستحق ان نعيش من اجله في زمن السلم”.
“كان عيد الاستقلال هذا سيكتسب معنى ومغزى مختلفين لو…..” وهنا يذكر محاوري اللبناني المواطنة، والثقة المتبادلة والتفاهم وحقوق الانسان…..
يبدو جليا لي من كل هذه الاقوال ان قدرة لبنان تكمن في آمال شعبه واحلامهم ومواهبهم الهائلة. ان للبنانيين تطلعات كبيرة لبلدهم واقول انهم على حق. ومن الواضح جدا انه ما زال يتوجب القيام بالكثير لتلبية هذه التطلعات.
لهذه الاسباب افتخر ان اكون هنا سفيرا في الوقت الذي تدعم فيه بريطانيا امن لبنان واستقراره عبر تدريب الوية الحدود البرية وتجهيزها وعبر بذل كل الجهود الانسانية الممكنة لاغاثة اللاجئين ومساعدة المجتمعات اللبنانية المضيفة والمحافظة على فرص العمل عبر تعزيز التجارة والاستثمار. لكن اود ايضا ان استمر بدعم اولئك الذين يسعون الى تعزيز بناء الديمقراطية السلمية المبنية على مثال التعايش.
الكلمة المفتاح هي “الدعم”. بسبب حجمه، غالبا ما كان لبنان ضحية احداث اقليمية وشهد تاريخه تأثيرا وفي بعض الاحيان سيطرة من قوى عالمية او اقليمية. ولكن انا لست هنا للتطفل او للتدخل بل لتقديم الدعم والتعاون ولأكون شريكا.
لكن بريطانيا والدول الاخرى التي تريد مساعدة لبنان ليكون بلدا ناجحا وصامدا وكامل السيادة تحتاج الى التعامل مع دولة لبنانية فعالة بقيادة رئيس للجمهورية ومع حكومة فاعلة. هذا هو الاساس الوحيد لكي يكون للبنان علاقات شراكة من الند للند مع الدول الاخرى. انه ايضا الشرط المطلوب ليحظى اللبنانيون بالخدمات العامة التي يستحقون وليحققوا كل تطلعاتهم وآمالهم داخل بلدهم. ففي الذكرى ال73 لاستقلال لبنان اتمنى لهذا البلد ان يمسك بزمام اموره السياسية وان ينتخب رئيسا يختاره اللبنانيون من اجل كل اللبنانيين وان يعين حكومة تتولى ادارة كل امور اللبنانيين.
في الختام لا يمكن لاي من الامور التي ذكرت والتي يجب ان يفتخر بها اللبنانبون –الجيش الذي يحمي الحدود، وقطاع التعليم الذي يتكيف مع التحديات الهائلة وحتى اقتصاد المعرفة الذي يربط لبنان بالعالم اجمع عبر لندن- ان يتحقق من دون عمل مؤسسات الدولة. ففكروا بالانجازات الكبيرة التي ما زالت تنتظركم.
عيد استقلال سعيد.