خرج المتظاهرون إلى شوارع السودان في ديسمبر 2018 مطالبين بشدة بالتغيير. أدى اصرارهم إلى إزاحة الرئيس السابق البشير في أبريل 2019. لكن ما تلا ذلك لم يكن حكما مدنيا بل فترة توتر من المفاوضات السياسية وفي بعض الأحيان مواجهة مع المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى السلطة. شهدت هذه الفترة العديد من التقلبات، وأسوأ مرحلة كانت المذبحة التي راح ضحيتها العديد من المتظاهرين الأبرياء في 3 يونيو.
لكن رؤية السودانيون والتزامهم ببناء سودان جديد، بقيادة مدنية، وعلى أساس الشعار الثوري المتمثل في “الحرية والسلام والعدالة” لم تهتز أبداً. شهدنا الشهر الماضي في نهاية المطاف إبرام اتفاق سياسي انتقالي، وتشكيل مجلس سيادي ذي أغلبية مدنية وتعيين رئيس وزراء مدني. هذه هي الإنجازات الهامة. وسوف تُشكل الفترة المقبلة في السودان.
كان احتفال 17 أغسطس الذي أدخل الاتفاق حيز التنفيذ لحظة تاريخية. وكان أيضا حدثا عاطفياً عميقاً. وكان فرصة لجميع أولئك الذين وضعوا حياتهم على المحك للاحتفال بإنجازهم وللحزن على من فقدوا حياتهم في النضال. ووقت للتفكير في الأضرار التي لحقت بالدولة والمجتمع خلال الثلاثين سنة الماضية وللاعتزاز بفرصة إعادة بناء السودان في صورة جديدة. سودان شامل وعادل، ويُقيم فيه كل السودانيين كمواطنين متساوين، محتفين باختلافاتهم. كان لي الشرف أن أكون حاضراً في هذا الحدث لأشهد، كما آمل، ولادة السودان الجديد. سودان يعكس طاقة وذكاء وعطف وروح الدعابة للشعب السوداني. لقد كانت لحظة من التفاؤل والأمل والفخر.
مع وجود المدنيين الآن على رأس السلطة، في صفقة لتقاسم السلطة مع الجيش، آمال وتوقعات التغيير تتزايد. هذا في حد ذاته أحد التحديات الرئيسية التي سيواجهها القادة المدنيون الجدد. بعد أن طال انتظارهم للمدنيين ليكونوا مسؤولين عن عملية الانتقال، فإن الشعب السوداني الذي طالت معاناته سوف يكون نافذ الصبر لرؤية تحسن في الأوضاع.
”لكن التحديات التي تواجه السودان هائلة. النزاعات التي لم تحل، عدم الاستقرار الاقتصادي، الفساد، سوء الإدارة، تحديات حقوق الإنسان، انتشار الفقر، الأزمات الإنسانية، وعلى رأس ذلك، الفيضانات الأخيرة. التعامل مع التوقعات التي تواجهها هذه الحكومة ستكون مهمة صعبة. الحلول لن تأتي بسرعة. ستحتاج الحكومة إلى وقت وصبر من الشعب.”
الخبر السار هو أن الثورة يجب أن تلهم تحولاً في موقف المجتمع الدولي تجاه السودان. لسنوات عديدة تم معاقبة السودان بسبب سياساته الهدّامة. ولكن مع وجود حكومة مدنية جديدة، سيكون في وضع قوي للضغط من أجل تغيير النهج الدولي تجاه السودان. تلتزم المملكة المتحدة بالعمل مع شركائنا لجعل هذا التغيير حقيقة واقعة. سوف نقدم الدعم السياسي والمساعدة الاقتصادية والتقنية لجعل الإصلاحات اللازمة في السودان حقيقة واقعة. كما أننا سوف ندعو بقوة شركائنا الدوليين لفعل الشيء نفسه. ولكن هناك عقبات قانونية وتقنية، بما في ذلك متأخرات ديون السودان وتسمية الولايات المتحدة للسودان كدولة راعية للإرهاب، والتي ستحتاج إلى معالجة قبل أن تصبح أي حزم كبيرة من المساعدات المالية ممكنة. الشعب السوداني بحاجة إلى أن يعي ذلك و يتأهب له.
لتهيئة الظروف المثالية للحصول على الدعم، يجب على الحكومة الجديدة أن تتخذ خطوات سريعة لإقناع أولئك الذين يشككون في التغيير في المجتمع الدولي. اولها هو إحلال السلام في البلاد. وقد تم بالفعل تحديد هذا كأولوية قصوى لعملية الانتقال. الصراعات لا تسبب معاناة هائلة فحسب، بل إنها تشوه الاقتصاد وتحول الموارد التي يجب إنفاقها على الصحة والتعليم إلى الجيش. وهذا هو السبب في أننا المملكة المتحدة وشركائنا سنبذل قصارى جهدنا لدعم جهود السلام في السودان. تتحمل الحركات المسلحة مسؤولية كبيرة في التعامل مع الحكومة الجديدة لجعل السلام حقيقة واقعة. قد لا يكون الاتفاق السياسي الانتقالي والوثيقة الدستورية مثاليين ولكن لا يوجد حجة لرفضهما. لن يدعم المجتمع الدولي الجهات التي لا تغتنم الفرصة الذهبية التي لدينا الآن لتأمين السلام. تحتاج جميع الأطراف إلى الانخراط بحسن نية مع الالتزام بتحقيق السلام. أولئك الذين يقومون بدور المخربين سوف يتحملون المسؤولية.
الخطوة الأخرى التي يمكن للحكومة الجديدة اتخاذها هي تغيير بعض القوانين والسياسات البسيطة التي يمكن أن تساعد في ترسيخ ثقافة الانفتاح والاندماج التي شهدناها في الاعتصام. تحرير وسائل الإعلام من جميع القيود. أن تفعل الشيء نفسه لأولئك الذين يرغبون في تقديم المساعدة الإنسانية إلى الفئات الأكثر حوجة في المجتمع. وتعزيز حقوق الإنسان للجميع. قد لا تبدو هذه أولويات عليا بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية في السودان. لكن إقناع بقية العالم بأن السودان يستحق المساعدة سيكون أسهل إذا كان الوجه الذي يظهره السودان للعالم أكثر انفتاحًا وجاذبية.
إنه لمن الرائع أن أكون في السودان في هذا الوقت. أنا متفائل بأنه إذا عملنا سويًا، فيمكننا المساعدة في تحقيق التغيير الذي حرك الثورة. يمكننا تحسين الحياة في السودان. ويمكننا أن نستمر في إلهام الناس حول العالم حول التغيير الذي يمكن أن تحدثه قوة الناس.